بانتهاء شهر فبراير2010 انتهت دورة الألعاب الشتوية الأوليمبية ال21 في مدينة فانكوفر الكندية(12 28 فبراير2010) بحضور60 ألف متفرج, وشارك فيها2621 رياضيا ورياضية من82 دولة, وهو رقم قياسي من حيث عدد المشاركين في المنافسة علي86 ميدالية ذهبية ومثلها فضية وبرونزية. ونعرف أن دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية عام2006 جرت في تورينو بإيطاليا, حيث شارك فيها آنذاك2508 رياضيين من80 دولة, للمنافسة علي84 ميدالية ذهبية ومثلها فضية وبرونزية.الدورة الأخيرة شهدت مشاركة عدد من الدول للمرة الأولي مثل صربيا, والجبل الأسود, وبيرو, وكولومبيا, وباكستان, وغانا, و3 دول عربية هي لبنان والمغرب والجزائر. في هذه الدورة حقق المنتخب الكندي معجزة أوليمبية بفوزه بالمركز الأول بعدد الميداليات الذهبية برصيد14 ميدالية( رقم قياسي في تاريخ الألعاب الشتوية) بالاضافة الي7 فضيات و5 برونزيات. وحل المنتخب الألماني في المركز الثاني برصيد10 ميداليات ذهبية, إضافة الي10 فضيات و7 برونزيات, ثم الولاياتالمتحدة في المركز الثالث برصيد9 ميداليات ذهبية. خلاصة القول, جاءت روسيا في المركز الحادي عشر بثلاث ميداليات ذهبية فقط. وهنا ينطبق المثل الشعبي المعروف علي الموقف المرعب, إذ ان اللجنة الأوليمبية الروسية كانت قد تمطعت وأعلنت بكل ثقة أن روسيا سوف تفوز, علي أقل تقدير, ب40 ميدالية. الطريف ان كندا استضافت الدورة للمرة الثالثة. وكانت الأولي في عام1976 في مدينة مونتريال, والثانية عام1988 في مدينة كالجاري, ولم تحرز أي ميدالية ذهبية في الدورتين السابقتين علي أرضها. ولكنها لم تضخم الجبل مثلما ضخمه الروس. شنت وسائل الاعلام الروسية حملة واسعة النطاق أدت الي استقالة رئيس اللجنة الاوليمبية ورأت أن هذا الأوليمبياد تحديدا جلب للروس جرعة من الاحباط لا يمكن هضمها. والمصيبة لا تنحصر فقط في قلة عدد الميداليات التي فاز بها الفريق الروسي بل أن روسيا فقدت مواقعها الراسخة في أنواع من الرياضة كان الروس يستحوذون بالكامل علي منصات التتويج في منافساتها, وتساءلت وسائل الاعلام: بعد هذه النتائج المخزية هل يمكن التعويل علي طفرة تحفظ ماء وجه الرياضة وتظهر روسيا بعد4 سنوات بشكل يليق بها كدولة مضيفة للألعاب الأوليمبية الشتوية في سوتشي ؟ البعض وصف ماحدث للفريق الروسي بأنه وصمة عار علي جبين المسئولين الذين تركوا جانبا واجباتهم الأساسية في البحث عن المواهب وصقلها ورعايتها وانصرفوا كليا للهو والحفلات وسخروا مواهبهم للإثراء علي حساب عرق الرياضيين. مثل هذه الحملات طبيعية وعابرة حتي وإن أسفرت عن استقالة بعض المسئولين في مجال الرياضة. فبمجرد تحقيق أول فوز في أي شيء ستتغير النغمة وستعلو نبرة العزة القومية والوطنية. لكن روسيا ناضلت في سبيل إقامة الدورة المقبلة في مدينة سوتشي علي البحر الأسود, ورصدت12 مليار دولار لتجهيز المدينة وإعدادها. وهناك من يطالب بزيادة هذا المبلغ لكي يكفي مدينة المستقبل علي حد وصف الروس أنفسهم. والوصف لا يخلو من المبالغة, بالضبط مثل موضوع ال40 ميدالية. تمخض الجبل فولد فأرا. هل هذه العملية سبب أمن نتيجة ؟ أم نتيجة تحمل كل الأسباب الموجعة والمزمنة ؟ من المسئول عن تشييد الجبال وتضخيمها والنفع فيها مثل البالون ؟ كيف لجبل من هواء أن يلد الأفيال والأسود والنمور ؟ المفارقة أن الرياضة الروسية لم تحقق أي إنجاز بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والأمر هنا ليس حنينا الي الماضي بقدر السعي الي استخدام ماتم إنجازه في الماضي من أجل التطور والاستمرار. والأمر لا يقتصر علي الرياضة الروسية, وإنما ينسحب علي العلوم أيضا. فعلي الرغم من أن روسيا متطورة علميا, بل وتأخذ موقعها الريادي في قائمة الدول المتقدمة, إلا أن المفاجأة كانت قاتلة عندما أوردت صحيفة أرجومنتي نيديلي الروسية تقريرا عن المستوي المتواضع الذي وصلت إليه روسيا في المجال العلمي. إذ وصلت مساهمتها في البحث العلمي العالمي, لعام2009, الي أقل من3%. ورأي التقرير أنه لمن المخجل حقا ان العقل الروسي, الذي ابتكر أول شعاع ليزري, وأول قمر اصطناعي, وأول مفاعل نووي, انحدر الي مستوي البرازيل في مجال البحث العلمي. في الحقيقة, لم تفاجيء هذه النتيجة العلماء الروس. فقد حاول كثير منهم تلبية الحكومة الي خطورة إهمال البحث العلمي. وقام168 من العلماء الروس, الذين يعملون في أكبر مراكز الأبحاث العلمية بنشر رسالة مفتوحة تحت عنوان لماذا هاجرنا, وضمنوها تحليلا للأسباب التي أدت الي تدهور البحث العلمي في روسيا. وفي8 فبراير الماضي قام الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف بتسليم الجوائز الرئاسية في مجال العلم والمبتكرات العلمية للعلماء الشباب لعام2009. ولا يعرف أحد, هل كان ذلك ردا علي رسالة العلماء. أم خطوة لمراجعة الوضع! لكن الغريب أن الرئيس الروسي أكد في كلمته أن الأهداف الحالية لا تتجه نحو بناء منظومة علمية مشابهة لما كان الأمر عليه إبان الاتحاد السوفيتي, ولكنها تسعي الي بناء منظومة علمية روسية, وكأن الاتحاد السوفيتي كان عدوا محتلا لروسيا. علما بأن كل مايجري حاليا في روسيا مبني علي ماتم تشييده في الاتحاد السوفيتي. مرة أخري يتمخض الجبل ليلد فأرا. فالكل متفق علي أن الجبل كان حقيقيا إبان الاتحاد السوفيتي, ومع ذلك ولد فأرا. أما الجبل الحالي فهو مجرد جبل من هواء, فعن أي شيء يمكن أن يتمخض ؟ من الممكن أن يتمخض عن أسلحة, أو تصريحات وإعلانات عن تكنولوجيا الناتو وعبقرية روسيا فيها, بينما يتعامل معها الغرب علي أرض الواقع منذ سنوات طويلة. الرياضة قابلة للفوز والخسارة. ولاشك أنها تمثل جانبا من العزة القومية والاعتزاز الوطني. ولكنها تتحول الي كارثة إذا نفخنا في الأبواق وفي الجبال وقصرنا العزة والكبرياء والفخر عليها, وتصبح نقمة إذا تحولت الي سلعة مالية وإعلامية, أما التطور العلمي فهو غير قابل لا للفوز ولا للخسارة, ولا حتي للتحول الي سلعة مالية وإعلامية. التطور العلمي أحد ركائز الأمن والدخل القوميين, والطريق للمستقبل, والقطيعة فيه مع الماضي ومع ماتم إنجازه تعيد الدول دائما الي الصفر.