وهكذا ضاع تقريبا التكافل الاجتماعي ومفهوم التأمين الصحي الاجتماعي والنتيجة هي تفريغ عنوان مشروع القانون من مضمونه. بعد ثورة أطاحت بالنظام القديم أو برءوسه علي الأقل, شكل وزير الصحة لجنة لوضع مشروع قانون جديد للتأمين الصحي.. ويري خبراء انه ينطلق من مشروع القانون القديم الذي كان قد تقدم به وزير الصحة السابق حاتم الجبلي ورفضه المجتمع المدني واعترض عليه قضاء مجلس الدولة لانه يتناقض مع الدستور والقوانين القائمة في12 مادة حددها المجلس. ويمكننا أن نعرض هنا لعدد من النقاط علي النحو التالي: * مبدأ فصل التمويل عن الخدمة: يحظر علي التأمين الصحي تقديم أية خدمات علاجية تحت دعوي أن هذا الفصل له مزايا مثل توزيع المخاطر وتخصيص الموارد وطرق محاسبة مقدمي الخدمات وفصل تمويل الرعاية الصحية من الميزانية الحكومية. وكل ذلك يتم العمل به بدون عملية الفصل هذه. أما فصل الميزانية فيمكن تحقيقه بطرق قانونية دون اللجوء إلي فصل التمويل عن الخدمة. حدثت تجاوزات نتيجة لذلك في دول أخري مثل أسبانيا والهند حيث تم احتكار خدمات ورفض أسعار والتلاعب بها أو فرض شروط لاتمام التعاقدات وحدوث تحالفات مرفوضة مع بعض موردي الدواء أو الأجهزة الطبية أو غيرها. هناك درس مستفاد من الابقاء علي قيام المؤسسة العامة بدورها مع المواطن, لأن خروجها من الساحة يعني انفراد القطاع الخاص بتقديم الخدمة واحتكار السوق الطبية. ولا ننسي الدرس المستفاد من الابقاء علي منافذ المجمعات الاستهلاكية ودورها في الأزمات الاحتكارية وشبهات الفساد في السلع والغذاء. هناك حتمية لاستمرار هيئة التأمين الصحي في تقديم خدمات جوهرية مثل عيادات المصانع والشركات وعيادات الأطباء داخل المدارس وتقديم خدمة إصابات العمل علي مستوي الجمهورية(61 مركزا علي مستوي الجمهورية) مع استمرار الخبرة والحرفية في أطباء الهيئة. التوصية: إلغاء مبدأ فصل التمويل عن الخدمة * تقديم حزمة من الخدمات الأساسية فقط لنظام التأمين الصحي مقابل الاشتراك المقرر ما زاد عن هذه الخدمة الأساسية فهو خارج النظام الأساسي وله التزامات مالية أخري خارج النظام. وجهات أخري تقدم الخدمات العلاجية كلها من القطاع الخاص وتم تحضير قانون آخر لهذه الشركات والتي سميت شركات الرعاية العلاجية التأمينية.. أي خصخصة كاملة للنظام. حزمة الخدمات الأساسية هذه محدودة جدا وهي عبارة عن خدمات صحية عامة( تطعيمات رعاية الأم والطفل وبعض الأمراض البسيطة جدا) وبعيدة جدا عن حزمة الخدمات الحالية التي يقر بها التأمين الصحي بموجب القانون79 لسنة1975, وكان قد تم التأكيد سابقا بأن حزمة الخدمات الحالية لن تمس ولن تقل إلا أن ذلك لم يحدث وقد عزف كثير من المواطنين في المحافظات الاسترشادية التي طبقتها علي الاقبال عليها لعدم اقتناعهم بها. وما يطبقها حاليا من وحدات مهما كثر عددها فهي ليست بمؤثرة في المجتمع ولا في المواطن المصري. ثم إن هذه الخدمات الأساسية كانت تقدم سابقا في وحدات وزارة الصحة مجانا, ولا يوجد مبرر حاليا في أن تكون نظاما تأمينيا وباشتراك تأمين صحي تحت دعوي لا تقنع. وهي تغيير دور وزارة الصحة. من المعروف في علم التأمين الصحي الاجتماعي أن مبدأ التكافل الاجتماعي يقل تأثيره كلما ضاقت حزمة الخدمات المقدمة من النظام مما يشكل عبئا متزايدا علي المؤمن عليهم أصحاب الدخول المنخفضة مع احداث تأثير سلبي علي سياسة توزيع المخاطر. مثل ما نراه في مشروع القانون هذا حيث أقر حزمة خدمات ضعيفة وهي حزمة المزايا الأساسية وأسقط وأبعد من حزمة الخدمات ما اسماه بالأمراض الخطيرة والعالية التكلفة( الكارثية!! حسب وصف مشروع القانون) حيث وضعها تحت أوضاع مالية وتنظيمية واجرائية أخري بقرارات أخري, ستؤثر حتما علي جميع المؤمن عليهم وليس أصحاب الدخول المنخفضة فقط. وهكذا ضاع تقريبا التكافل الاجتماعي ومفهوم التأمين الصحي الاجتماعي والنتيجة هي تفريغ عنوان مشروع القانون من مضمونه. التوصية: إلغاء حزمة المزايا الأساسية التي تقترحها مسودة القانون والالتزام بتقديم حزمة الخدمات التأمينية التي تقدمها حاليا الهيئة العامة للتأمين الصحي حسب مواد القانون79 لسنة1975 وبعلاج المصاب إذا مرض ورعايته طبيا إلي أن يشفي أو يثبت عجزه( مادة85 من القانون79 لسنة1975) * انشاء صندوق للكوارث: يتعارض تماما مع هدف رئيسي للنظام الصحي وهو عدالة التمويل التي تعني أن المخاطر التي يواجهها كل فرد من أفراد المجتمع بسبب تكلفة الرعاية الصحية قد تم توزيعها حسب القدرة علي الدفع وليس بسبب درجة مخاطر المرض, وان النظام العادل هو الذي يضمن الحماية المالية( وبالتالي الاجتماعية لكل افراده). جوهر الخدمة الصحية المرضية هو أن الغني والفقير متساويان في العلاج, وأن الفقر ليس عجزا كما أن الغني ليس ميزة. تحقيق تقدم كبير في عدالة التمويل مرهون فقط من خلال توزيع المخاطر, والتكافل بمعني أن الاصحاء يتكافلون مع المرضي, وأن الأغنياء يتكافلون مع الفقراء. علي صانعي القرار أن يصمموا استراتيجيات صحية سليمة تدعم توزيع المخاطر لا أن يضعوا أمامها العراقيل بانشاء صندوق للكوارث. كان الأولي بصانعي القرار أن يتبنوا انشاء صندوق للتأمين الصحي الاجتماعي كصندوق تكافلي يقوم بالتطبيق العملي لمباديء التكافل الاجتماعي من آليات مساواة المخاطر وتوزيعها بين المشتركين واقرار مبدأ الدعم التبادلي, لا أن يتبنوا صندوقا للكوارث يفتح أبواب الفقر علي المرضي. هيئة التأمين الصحي حاليا تقدم مجموعة كبيرة من الخدمات العلاجية المسماة بالخدمات العلاجية المتقدمة والتي تقع كلها تحت ما اسموه بالأمراض الكارثية التي من المقرر وضعها داخل صندوق الكوارث هذا وهذه الأمراض هي: علاج الأورام الغسيل الكلوي زرع الكلي مع المتابعة زرع المفاصل مساهمات حالات الزرع الأخري مثل زرع الكبد القوقعة النخاع القرنية بالإضافة إلي جملة حالات علاج القلب ونري من حسابات التكاليف أن هذه المجموعة من الأمراض كانت تكفتها حوالي416 مليون جنيه في عام2010/2009 أي ما يعادل13,34% من اجمالي المصروفات عن هذه السنة(3118,1 مليون جنيه), وهذا ليس كافيا إذ يجب علي الفور إعادة النظر في الموقف وتكثيف الدراسات المالية والتكاليفية بشأنها حتي نصل إلي دعم تصاعدي لها يحمي المرضي, حيث أنه حاليا اما أن يسدد تكلفتها كاملة أو جزءا منها كمساهمة من هيئة التأمين الصحي, مما لا يعد موقفا عادلا. التوصية: إلغاء المادة التي تنص علي انشاء صندوق الكوارث للأمراض الكارثية وعلي الأقل تقديم ما توفره حاليا الهيئة العامة للتأمين الصحي( بصفة مؤقتة) حيث ان ما تقدمه الهيئة حاليا مخالف لنص القانون79 لسنة1975 الذي يحدد علاج المصاب أو المريض ورعايته طبيا إلي أن يشفي أو يثبت عجزه, وللهيئة المختصة الحق في ملاحظة المصاب أو المريض حيثما يجري علاجه( مادة85 من القانون79 لسنة1975). رئيس هيئة التأمين الصحي الأسبق عضو المجالس القومية المتخصصة (لجنة الصحة) رئيس جمعية التأمين الصحي