كشفت التصريحات التي أدلت بها نيكي هايلي المندوبة الأمريكية لدي مجلس الأمن الدولي, والتي أكدت فيها أن التصويت علي مشروع القرار الذي يدين اعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل, هو بمثابة إهانة لن ننساها أبدا, عن المدي الذي وصلت إليه الغطرسة الأمريكية,.. ففحوي هذا التصريح أن واشنطن تري أنه يمكنها بكل بساطة أن تضع كل قيم وقرارات المجتمع الدولي تحت قدميها, وانه حينما يقال لها عبر تصويت بلغ14 صوتا, أي كل اعضاء مجلس الأمن بما في ذلك الدول الاربع الكبري دائمة العضوية ضد الصوت الامريكي المنفرد والمعزول, ان هذا قرار خاطئ وغير محسوب العواقب ويحدث خللا هائلا في عملية البحث عن تسوية للصراع.. نجد أن رد الفعل الأمريكي هو المزيد من التهور والمزيد من الاندفاع, عبر هذه التصريحات الرعناء, التي تعبر بشكل فج, عن النزوع الي الاستخدام الهمجي للقوة المجردة, والاسقاط الكامل لكل القيم والقواعد التي توافق عليها المجتمع الدولي. وفوق ذلك اعتبرت المندوبة الامريكية بعد استخدامها الفيتو لمنع اعتماد مشروع القرار أن ما حدث يعد مثالا جديدا علي تسبب الأممالمتحدة بالضرر أكثر مما تتسبب بما هو مفيد في التعامل مع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.. هذا المنطق المقلوب يقودنا إلي تأمل أحوال منطقتنا العربية وما يحدث فيها من دمار وتمزق, والنظر قليلا إلي الوراء لفحص ومراجعة كل ما نعاني منه في الوقت الحالي, سنجد ان الولاياتالمتحدة هي الفاعل الاصلي والرئيسي.. فتغول ايران وتمددها ونشأة ما يسمي الصراع السني الشيعي, لم ينتج الا من الغزو الامريكي للعراق عام2003, والذي ترتب عليه تسليم العراق كله لقمة سائغة للنفوذ الايراني وقاعدة انطلاق فتحت شهية الملالي.. علي الناحية الأخري نجد أيضا ان داعش وتنظيمات الارهاب المنبثقة عن جماعة الاخوان المسلمين وما يسمي تيار الإسلام السياسي بشكل عام, والتي تعيث في المنطقة تكفيرا وقتلا وتخريبا, ليست الا صناعة أمريكية بدأت مع اطلاق ما سمي زورا بالجهاد في افغانستان لاسقاط الاتحاد السوفيتي السابق. والشاهد ان هناك عشرات الشواهد التي توضح ان داعش ليس الا أداة في يد الأجهزة الاستخبارية الأمريكية وحلفائها تستخدم في إعادة هندسة ورسم مصالحها.. وجميعنا شاهدنا وتابعنا كيف عقدت الصفقات لفتح مسارات الخروج لآلاف من مقاتلي داعش اكثر من مرة ونقلهم إلي أماكن ومواضع أخري لخدمة ذات الأجندة الأمريكية.. ونشير هنا إلي التصريحات الأخيرة بالغة الخطورة للرئيس التركي اردوجان, والتي أفصح فيها عن أن أكثر من4 الاف من مقاتلي داعش في الرقة قد خرجوا بغرض نقلهم إلي سيناء. قدمت مصر مشروع قرار القدس في مجلس الأمن باسمها ونيابة عن المجموعة العربية, وابرزت الدبلوماسية المصرية قدرات عالية المستوي في صياغة مشروع القرار وحشد التأييد له. ورغم كل ما تتعرض له مصر في الوقت الحالي من ضغوط هائلة وتهديدات خطرة, فانها وقفت في مجلس الامن بما يليق بها وبما يتفق مع موقعها وتاريخها, الأمر الذي أوضح بكل جلاء أن بوصلة السياسة الخارجية المصرية منضبطة في كل تحركاتها نحو الاتجاه الصحيح, سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو في مواقفها السابقة تجاه ما يحدث في كل من سوريا وليبيا واليمن ولبنان.