رغم مرور ما يقرب من عام ونصف العام علي محاولة الانقلاب الفاشل التي وقعت في تركيا, لا يزال أردوغان يواصل عملية تطهير واسعة النطاق تشمل كل أنحاء البلاد وكل المؤسسات من القوي المعارضة بذريعة قلب نظام الحكم, ويشن حملة شرسة ضد المعارضة التركية في الداخل والخارج, ويمارس القمع وتكميم الأفواه ضد كل من تسول له نفسه انتقاده. والشاهد أن حرص أردوغان الدائم علي التشدق بالديمقراطية والتستر بها, لم يستطع أن يخفي أن كل تحركاته وسياساته, لا ترمي إلا لتدشين نفسه حاكما أوحد, وتمكين سلطته وتدعيم مكانته, حيث يسعي بجهد واندفاع هائلين لتقديم نفسه كمخلص أسطوري لتركيا, بحيث يكون كمال أتاتورك القرن الحادي والعشرين حسب وصف جريدة نيويورك تايمز. فعقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في15 يوليو2016, تم شن حملة غير مسبوقة من الاعتقالات والطرد من الوظائف.. وكان من اللافت أن هذه الحملة انطلقت عبر طرد2754 قاضيا ومدعيا عاما بعد ساعتين فقط من إعلان رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان انتهاء الانقلاب والسيطرة علي الأوضاع, الامر الذي أوضح أن هناك خططا مسبقة كان قد تم إعدادها, وعزز من النظرية التي تتبناها أطراف عديدة في الداخل التركي من أن الانقلاب كان مدبرا أو مدارا تحت السيطرة علي الأقل. نسب أردوغان محاولة الانقلاب لحركة الخدمة التي يقودها حليفه السابق فتح الله كولن.. وجري شن حملات ضخمة ضد حركة الخدمة التي أطلق عليها أردوغان مسمي الكيان الموازي.. إلا أن ضخامة عملية التطهير واتساعها الهائل, تؤكد كذب أردوغان ومخاتلته, ففي خلال شهرين فقط من محاولة الانقلاب, كان قد تم سجن واعتقال أكثر من106 آلاف شخص, وطرد أكثر من105 آلاف من وظائفهم, وإيقاف ما يقرب من أربعة آلاف قاض عن العمل, بالإضافة إلي إغلاق186 قناة تليفزيونية, ونحو1300 منظمة مجتمع مدني, وفصل أكثر من ستة آلاف أستاذ جامعي, واعتقال133 صحفيا. هذا طبعا بخلاف الاعتقالات التي تمت في الجيش التركي وشملت160 جنرالا وأكثر من6300 ضابط.. وضخامة هذه الأرقام توضح الاستهداف الشامل لكل الخصوم السياسيين, حيث إنها لم تقتصر من الناحية العملية علي منتسبي حركة الخدمة بل شملت كماليين وليبراليين وأكرا وعلويين وخنق حرية الإعلام أو أي نشاط مستقل عن الاتجاه الذي يتبناه أردوغان. لقد استمرت عمليات التطهير منذ ذلك الوقت ولم تتوقف حتي الآن, حتي إنها أثارت أزمة كبيرة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في مطلع الشهر الماضي, بسبب اعتقال اثنين من الموظفين الأتراك العاملين بالسفارة الأمريكية بدعوي انتمائهما إلي حركة الخدمة, وقد نتج عن ذلك ما عرف بأزمة التأشيرات, حيث أوقفت السفارة الأمريكية منح التأشيرات في تركيا كنوع من الاحتجاج علي السلوك التركي. ديكتاتورية أردوغان وتحركاته الدائبة لتعزيز سيطرته, لم تمر دون مقاومة في الداخل التركي الذي أصبح يعاني حالة من الاستقطاب والانقسام, حيث خرجت وصفت المسيرة المليونية التي قادها كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض في يوليو الماضي, عملية التطهير بأنها انقلاب مدني, بالإضافة إلي التوترات مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروربي الذي لم يتقبل رواية أردوغان عن الانقلاب حتي الآن.