اشتكي عدد كبير من أبناء مدينة القرنة غرب الأقصر من غزو منتجات الألباستر الصينية للأسواق السياحية المصرية بالاقصر والغردقة وأسوان التي تشوه الحضارة المصرية مما أدي إلي مطاردة شبح الانقراض لواحدة من أهم الصناعات التي تفوق فيها أبناء الأقصر,فضلا عن التهديد بانتشار البطالة. مشيرين إلي أنهم لاتزال لديهم العديد من المشكلات التي لاتجد حلا من قبل المسئولين وأهمها وقف الغزو للمنتجات المقلدة من الصين والتي تسيء للحضارة المصرية, لافتين إلي أن المزورين وضعوا رأس نفرتيتي علي توت عنخ مصر, موضحين أن مصر تستورد بنحو18 مليار جنيه مشغولات وعاديات فرعونية بينما تظل الصناعات المصرية مكدسة في المخازن. ويقول أحمد علي نحات أحجار الألباستر إن أهالي القرنة احترفوا هذا الصناعة من قديم الزمن وتوارثوها عن الأجداد حيث تشتهر مدينة القرنة علي مستوي الجمهورية بهذه الصناعة وهناك أكثر من660 مصنعا وورشة مهددة بالإغلاق وخطر ترك المهنة نتيجة الغزو الصيني والصناعات المستوردة. ويضيف سعد النجار نحات لقد هجر أغلبية العمالة المهنة بسبب الركود السياحي وعدم وجود حماية ما اضطرهم للسفر للخارج والعمل في المعمار والزراعة بحثا عن رزق ينفقون منه علي أسرهم خاصة أن هذه المهنة تحتاج الي ثلاثة أيام في رحلة جبلية بالدواب للحصول علي الخامات في طرق وعرة وغير ممهدة لنقوم بعدها بالنحت والصناعة, فيما يتم تسويق منتجاتنا بأسعار زهيدة لذا نحتاج الي معارض لتسويق إنتاجنا, مشيرا إلي أن أغلب الورش حاليا أغلقت أبوابها واتجه أصحابها وعمالها للعمل في مهن أخري توفر لهم مصدر رزق. ويشير أحمد محمد حمزة حاصل علي بكالوريوس سياحة وفنادق إلي أن صناع الألباستر هم ورثة الفراعنة في الفن لكونه يعتبر تجسيدا للحضارة المصرية القديمة, وهي مهنة بدائية وشاقة وبالأرقام يوجد نحو140 مصنعا ل الألباستر حاصلة علي ترخيص من مجلس مدينة القرنة ووزارة السياحة, بالإضافة إلي نحو400 ورشة وبازار تعمل من المنازل, ونحو 80 % من سكان القرنة يحترفون صناعة الألباستر سواء بشكل مباشر صنايعي, فني, مساعد, صنفرة أو بشكل غير مباشر. أضاف أنه يوجد نحو250 مصنعا في مدينة القرنة لصناعة الألباستر, و يعمل بالمهنة عدد من الفنانين ينتمون إلي ما يقرب من 5 آلاف أسرة. ويشير محمد عوض الله صاحب ورشة بالبر الغربي للأقصر إلي أنه قبل ثورة 25 يناير كان لديه نحو 18 عاملا في صناعة الألباستر بشكل يدوي, بالإضافة إلي البائعين في البازار الملحق بالورشة بمتوسط مرتبات 1200 لكل عامل شهريا, وكان يزيد دخله في المتوسط علي 30 ألف جنيه شهريا جراء حرص السياح علي التسوق من مصر وشراء تذكار يعبر عن الحضارة المصرية, لافتا إلي أن دخله كان يكفي مصروفاته فضلا عن المرتبات وشراء المواد الخام, أما الآن فقام بتسريح العمالة تدريجيا إلي أن أصبح وحيدا بالورشة ولا يجد حتي مصروفات منزله. وقال: كنا نتفاخر بأن القرنة تخلو من البطالة فالكل كان يعمل بصناعة الألباستر حتي كبار السن كانوا يقومون بتلميع التحف وتركيب الاكسسوارات, الآن بعد أن توقفت الأيدي العاملة عن العمل اضطروا للعمل في حفائر البعثات الأجنبية في منطقة القرنة القديمة. وعن تاريخ المهنة يقول الدكتور سيد المطعني: حصلت علي الدكتوراة الفخرية من جامعة سيدني باستراليا في الألباستر وزرت معارض في أمريكا وفرنسا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا وسويسرا والمجر والنرويج بدعوات من رؤساء هذه الدول, ويضيف من بين الأفكار التي أعددتها للحفاظ علي المهنة تدريب الشباب للقضاء علي البطالة, حيث إنه في أواخر الستينيات من القرن الماضي عندما زادت الاكتشافات الآثرية لمقابر الفراعنة بقرية القرنة وغيرها كان السياح يأتون من شتي بقاع الأرض لمشاهدة تلك الاكتشافات وكانوا يحرصون علي شراء هدايا من مصر, وكان وقتها مباح بيع الآثار الحقيقية, ففكر أهل البلد في صناعة مجسمات أطلق عليها في البداية لطع وكانت بدائية الصنع وتطورت بسرعة ليقلد القائمون عليها الأشكال والتماثيل الفرعونية والذين أثبتوا جدارتهم فيها وأنهم بحق فنانون أحفاد صناع الحضارة المصرية القديمة. وأضاف أن بعض عائلات القرنة تحظي بشهرة عالمية في صناعة الألباستر, مشيرا إلي أن السائح يأتي لشراء الألباستر ومشاهدة الفنان الذي يقوم بحفر ونحت وتلوين الألباستر بآلات يدوية قديمة توارثها منذ زمن, حيث يقوم السائح بالتقاط الصور التذكارية له في مراحل العمل, وسؤاله عن نوع الحجر ومن أين أتي به, وأحيانا يطلبون من صاحب البازار ان يحضر لهم الفنان الذي نفذ التحفة لسؤاله عن تاريخها وفي أية مقبرة أثرية شاهد هذا المنظر وتأثر به. وأوضح أنه للحفاظ علي المهنة قمت بفتح باب التدريب لأبناء القرية وأشرفت علي تدريبهم, مشيرا إلي أنه تم توفير الخامات والمعدات حتي تحول المتدربون الي منتجين ومنهم من فتح ورشة, وطالب بإقامة معارض في الخارج لغزو الأسواق الأوروبية, لافتا إلي أن المنتجات اليدوية المصرية من الالباستر والفخار والصناعات اليدوية من الشال والخوض والفركة والفخار عليها طلب في الخارج. وقال المطعني: لاحظت ذلك عندما شاركت في المعارض الخارجية وكان الإقبال كبيرا علي إنتاج أحفاد الفراعنة وكان السياح لديهم شغف بشراء المنتجات المصرية اليدوية, حتي ان سائحة شاهدت أحد الأواني الفخارية الجرة وسألتني وقلت لها إنها الثلاجة المصرية الفرعونية وعندما شربت منها اندهشت من طعم المياه وجمال منظرها أمام المعرض ثم سألتني عن ثمنها وأصرت علي شرائها وعندما ذهبت الي منزلها وضعتها أمام منزلها وشاهدها الجيران وقالت لهم انها الثلاجة الفرعونية وشربوا منها وعادت ومعها مجموعة من أصدقائها واشتروا جميع الأواني الفخارية الي كانت معنا لقد بعنا كل المنتجات المصرية التي كانت معنا. ومن جانبه أكد محمد حمزة رئيس جمعية تنمية المجتمع لصناعة الألباستر والنقابة الفرعية للحرف التراثية أنه رغم القيمة الإنسانية للمهنة ومكاسبها الكبيرة, حرص الكثيرون من صناع المهنة علي عدم إعطاء سر المهنة لأبنائهم خوفا من الزمن وتقلباته, مشيرا إلي أنه من أكبر عوائق تلك المهنة أن الدولة لا تسوق لمنتجات هؤلاء الفنانين. وأضاف عندما سافرت للخارج رأيت كيف تتعامل الدول مع منتجاتها اليدوية وتسوقها داخليا وخارجيا, لذا نطالب بإقامة معارض لهذه المنتجات بالخارج. وأشار إلي أن هناك مشكلة أخري تواجه صناعة الألباستر بالقرنة تتمثل في استيراد المنتجات الصينية التي تتميز برخص ثمنها وألوانها لكنها غير قوية وقابلة للكسر, إلا أن الزبون يقبل عليها لرخصها, رغم ما بها من أخطاء, لان الفنان المصري الذي يقوم بصناعة منظر من جدارية لمقبرة فرعونية تأملها واعتادت عليها عينيه منذ الصغر, بخلاف العامل الصيني الذي يبتكر رسمة مشوهة تاريخيا تنجز منها الماكينة آلاف القطع يوميا. ورغم ذلك علق سائح فرنسي ذات مرة بأنه كيف أشتري هدية من مصر مكتوب عليها صنع في الصين كان من المفترض أن أذهب للصين حتي أشتري هذه الهدية ولا أحضر لمصر. وقال حمزة حرصا علي تطوير المهنة والحفاظ عليها من الانقراض تم تأسيس جمعية تنمية المجتمع لصناعة الألباستر بمدينة القرنة وسعينا إلي تطوير المهنة من خلال إدخال الميكنة لتوفير الوقت والجهد وتدخلت وزارة التضامن الاجتماعي في إسناد مركز إعداد صناعة الألباستر للتدريب التحويلي للشباب منذ عام 98 وبعد التدريب التحويلي يتم توفير فرص عمل لهم بإلحاقهم في المصانع الموجودة بالقرية, مشيرا إلي أنه تم تنظيم عدة دورات بالتعاون مع وزارة الصناعة ممثلة في مركز تحديث الصناعة حيث تم تدعيمنا بالمحاضرين المتخصصين في تحديث وتطوير الصناعة من الجامعات المصرية والخارج وساهم ذلك في تطوير المنتج وهناك تعاون مع جامعة جنوب الوادي لإنشاء معرض دائم لمنتجات الألباستر بالأقصر. وأضاف أنه حفاظا علي حقوق العاملين بهذه المهنة تم تأسيس نقابة فرعية للحرف التراثية بالأقصر ونسعي حاليا الي إعادة العمالة التي هجرت المهنة في فترة ركود السياحة, فضلا عن إعادة فتح الورش الي أغلقت أبوابها من خلال تقديم الدعم والمساعدة في التسويق ونسعي الي الاشتراك في المعارض الي تنظمها وزارة التضامن, مشيرا إلي أن النقابة العامة للحرف التراثية تقدمت بمذكرة الي وزارة الصناعة لوقف استيراد الصناعات الصينية المشوهة للتاريخ لإنقاذ الصناعة الوطنية والحفاظ عليها من الاندثار.