في مشهد حضاري يعكس تاريخ وعراقة مصر, جاء افتتاح منتدي شباب العالم الليلة الماضية بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي والسيدة قرينته ولفيف من الرؤساء ورؤساء حكومات وممثلين لأكبر من100 دولة, حيث أكد الرئيس السيسي في كلمته علي عدة محاور تمثل في مجملها رؤية متكاملة للتعامل مع قضايا العالم, ونشر قيم السلام والتعايش بين الشعوب في وقت واجه فيه العالم تحديات الإرهاب. وجاءت رسالة السيسي الذي خاطب شباب العالم بلغة السلام تحمل دلالتين, في وقت متزامن مع حادث كنيسة ولاية تكساس الأمريكية الذي خلف نحو27 قتيلا وعشرات المصابين, ففي الوقت الذي أكد فيه أن الإرهاب ينتهك الإنسانية ويعتدي عليها ويحطمها, وجه رسالة للعالم بأسره مفادها أن مواجهة الإرهاب حق من حقوق الإنسان أيضا, وهي الرسالة التي أعتقد أنها وصلت للجميع ودللت عليها الحوادث الإرهابية التي ارتكبت وما زالت ترتكب ويجني العالم حتي أكبر دولة فيه ويلاتها حتي لحظة كتابة هذه السطور. لقد بدا الرئيس السيسي مستلهما روح الماضي وعراقته, مهموما بالحاضر وتحدياته, آملا في مستقبل أفضل ليس لمصر وشبابها وحدهما, وإنما للعالم بأسره, وهو ما تجلي في كلماته: أرحب بضيوف المنتدي علي أرض سيناء الغالية, أرض السلام والمحبة, أرض الأنبياء والحضارة, وأن أسجل عظيم امتناني وبالغ سعادتي بهذا الجمع الفريد المتميز الذي اجتمع تلبية لشباب مصر المتحمس لصناعة المستقبل لوطنه والبشرية علي أسس السلام والتنمية. وحدد الرئيس هدف هذا المنتدي الذي يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط, بقوله: إن هؤلاء الشباب الذين يمثلون امتدادا لأجدادهم الذين حلموا أن نكون هنا في هذه القاعة كي نجتمع ونتحاور ونصيغ رؤي مشتركة نحو المستقبل إنما كان حلمهم حلم خير وأمل واستقرار للبشرية كلها, حلم يتجاوز الصراعات الضيقة والتمييز علي أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون ليحلق في رحاب الإنسان الذي خلقه الله لعمارة هذا الكون وزراعة الخير في جنباته وصناعة المستقبل والحضارة. ولم ينس الرئيس أن يذكر العالم بالتزام مصر ودورها الذي فرضه التاريخ وأقرته الجغرافيا, ومضي ليقول: إن مصر الفرعونية حضارة, والعربية انتماء, والإفريقية جذورا, والمتوسطية ثقافة, إنما تسعي بكل أبعادها الثقافية والحضارية إلي أن تمارس دورها التاريخي في صناعة رؤية السلام والاستقرار. واستطرد الرئيس معاودا تذكير العالم بما سبق أن نادت به مصر وما زالت تنادي بأن: العالم اليوم أحوج ما يكون إلي وقفة حقيقية لإعادة تقييم الأطروحات والنظريات والرؤي التي أدت إلي نشوب الصراعات والحروب علي كوكب الأرض, وانتشر بين جنباته العنف والإرهاب.. يجب علينا جميعا الاضطلاع بمسئولياتنا التاريخية من أجل صياغة رؤية للغد تتضمن أن يكون العالم آمنا ومستقرا يعيش أفراده في ظل سلام وحرية للمعتقد والرأي, وبلا عنف أو تمييز ديني أو طائفي أو عرقي أو جنسي. ولم يشأ الرئيس أن يفوت فرصة هذا الجمع الغفير من شباب العالم دون أن يدعوهم إلي حوار بناء قائم علي أسس موضوعية وتبادل للرؤي باعتبار أن الحوار هو السبيل الوحيد لمواجهة أي تحديات, مشيرا إلي أن البشرية مازالت قادرة علي الحوار وتحويل الحلم في السلام إلي حقيقة. كان افتتاح المنتدي قد بدأ مساء أمس بعرض لتجارب شبابية واعدة وفي احتفالية خاصة بافتتاح المنتدي اختلطت الموسيقي بتجارب شباب العالم, بكلمات ممثلين لعدد من المؤسسات بالأغاني, بصيحات الأمل والطموح, وقليل من دموع الحاضرين, عندما تحدثت العراقية لمياء حجي بشار عن معاناتها بعد بيعها من قبل تنظيم داعش. وبدأت الاحتفالية بأغنية عن السلام شارك فيها مطربون من مختلف الجنسيات, وأعقب ذلك عرض راشيل من ملاوي تجربة نجاح شركتها في رعاية عقول الشباب, ثم تحدث الناشط اليمني سهل عبدالغني عن تجربته مع ويلات الحروب, ليؤكد أن الحرب أخرجت أكثر من5 ملايين طفل من المدارس بعد أن أغلقت70% منها. وأكدت المصرية غادة والي أن التواصل الفعال هو البنية الأساسية لبناء المجتمعات المتماسكة المتصالحة. وأضاف محمد إبراهيم من مصر علي الشباب أن يطور نفسه حتي يمكن إيجاد حلول لجميع القضايا. وتحدثت الممثلة الأمريكية هيلين هنت أمام الاحتفالية وأكدت أن مصر هي مهد الحضارة وأنها تمثل لها الأمانة والشفافية والرغبة في التفكير في الذات. وجاءت كلمة إخيم شتاينر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة, لتؤكد أن ما تقوم به مصر من وضع الشباب علي طريق المسئولية وفتح قنوات للحوار والمشاركة معهم من أجل البناء والتنمية وصياغة رؤية للمستقبل, يتوافق مع مساعي الأممالمتحدة التي جاء إلي منتدي شباب العالم ممثلا لها. أستطيع أن أقول إن المنتدي قد حقق أهدافه مبكرا, وهذا ما لمسته من خلال محادثاتي التي أجريتها مع الشباب المصريين والعرب والأجانب المشاركين في المنتدي, والذين رأيت فيهم تجاوبا كبيرا مع هذا المنتدي وفعالياته, وأعربوا عن يقينهم التام بأن المحاور الخمسة التي يقوم عليها, تمثل ما يطمحون إليه من رؤية للمستقبل وما كان يدور بعقولهم من تساؤلات لما يمر به العالم من تحديات لأجيالهم. والحقيقة أن هؤلاء الشباب جعلوني أطمئن إلي أن مصر حققت هدفها من هذا المنتدي, وأننا جميعا بات علينا أن نطمئن أيضا علي مستقبل شباب مصر والعالم مهما كانت التحديات.