في إطار التوجه الأمريكي لمراجعة الاتفاق النووي مع إيران فرض الكونجرس عقوبات جديدة خارج نطاق الاتفاق النووي شملت علي وجه الخصوص قوات الحرس الثوري الإيراني( الباسدران) بسبب ما تردد عن الارتباط بالإرهاب وردا علي تجارب الصواريخ الباليستية الإيرانية وأنشطة فيلق القدس في الشرق الأوسط وربما اختصاص الحرس الثوري تحديدا ليكون مشمولا بتلك العقوبات, ولقد كانت هناك العديد من التهديدات التي شكلها الحرس الثوري إزاء التواجد الأمريكي في المنطقة منها التحرش بالسفن والقوات الأمريكية, تحديدا في خليج العقبة, الأمر الذي ساهم في زيادة التوترات وتصعيد الخطاب العدائي من الطرفين. وربما أبرز ما يثير المخاوف الأمريكية في الحرس الثوري, هو ما يميزه قوة التزامه الأيديولوجي بالمقارنة مع الجيوش الثورية الأخري في تجارب سابقة, مثل الجيش الأحمر السوفيتي, جيش التحرير الشعبي الصيني, خاصة مع مقاومة الحرس لأي سيطرة مدنية عليه. ومع تحوله لمؤسسة لها بنية واضحة المعالم, مع اتساع نفوذه ووظائفه. غير أن تزايد تعقيد البني التنظيمية للحرس لم يترجم إلي طابع مؤسساتي تقليدي أو محترف, ولم تتخل قوات الحرس العسكرية قط عن تكتيكاتها غير التقليدية ذات المنطلق الأيديولوجي, أو تخفف من أهدافها المتطرفة في الحرب, كما أن الحرس أيضا يتمتع بالاستقلالية, حيث قاوم بشدة محاولات فئات ومجموعات اجتماعية وسياسية خارجية لاختراقه أو السيطرة عليه. وهو ما يجعله غير قابل للإخضاع حتي ولو تم التوصل لاتفاق نووي مثل الذي تم مع النظام في إيران, والذي يراجعه ترامب الآن. وطوال فترات فرض عقوبات علي إيران, كانت علي العكس مما يعتقد, هي أكثر الفترات ازدهارا ومواءمة بالنسبة للحرس, حيث عززت تلك العقوبات من قدراته الداخلية وسيطرته علي المشروعات الاقتصادية, وبناء علاقات متشعبة وممتدة اقتصادية وسياسية, مكنته من توطيد أركانه وتوسيع نفوذه. فقد ساعدت سنوات العقوبات علي الاستثمار في تكوين وتوسيع نفوذ الحرس وبسط قدراته, وبشكل كبير, فإن العقوبات الأخيرة لن تشكل عائقا كبيرا أمام الحرس الثوري, خاصة مع الخبرات التراكمية التي اكتسبها, وقدرته علي التماسك والتكيف, علاوة علي أوزان التأثير النسبية التي حفظها له نفوذه في ملفات عديدة في سوريا, العراق, اليمن, ولبنان. وتحمل هذه التطورات العديد من الدلالات علي وضع الحرس, قدراته, وأدواره, وأيضا يطرح تساؤلا متعلقا بمدي قدرة تلك العقوبات علي الحد من نفوذ الحرس. حيث ينظر للحرس الثوري(IRGC) علي أنه أحد أهم إفرازات الثورة الإيرانية حيث أسسه الخميني من أجل حماية الثورة بالأساس وتوطيد أركانها, في مواجهة الأعداء الداخليين والخارجيين, وبشكل أساسي الجيش النظامي غير الموثوق في ولائه حيث كان تابعا للنظام القديم برئاسة رضا بهلوي, بعلاقاته وولاءاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية العدو الأساسي للثورة الإيرانية. ولقد كانت أحد خيارات الثورة آنذاك كان إما عمل إحلال لجنود الجيش النظامي وتغيير هواه وتركيبته, وهو ما استبعده قادة الثورة, وإما إنشاء اميليشيا موازيةب بجانب القوات الشعبوية متمثلة في الباسيج. ومنذ إنشاء الحرس الثوري, كانت هناك إشكالية اشرعنةب وجوده, حيث تم إضفاء الطابع القانوني الدستوري عليه من خلال المادة152 في الدستور الخاصة بإنشاء الحرس ووظائفه ومهامه, التي من ضمنها بالأساس تصدير الثورة الإيرانية. علاوة علي إصدار قانون منفصل خاص بوضعية الحرس الثوري. منذ ذلك الحين, أضحي للحرس وضعية نوعية مختلفة, حيث هو ليس مؤسسة تقليدية كما في عديد الدول كالجيوش النظامية مثلا, كما لا يمكن اعتباره فاعلا من غير الدولnonstateactor, لأنه تم تقنين أوضاعه بشكل أو بآخر, مما جعل هناك حالة من التفسيرات النظرية تخضعه كنوع من الجيوش الموازية أو الجيوش الثورية, أو الجيوش الأيديولوجية. كما حدث تطور كبير علي بناء الحرس الثوري وقدراته منذ الثورة وحتي الآن; فقد جري تجميع عناصر الحرس عشوائيا علي هيئة مليشيا ضعيفة التدريب والتنظيم, لكن الحرس الثوري تطور خلال سنوات الحرب ضد العراق ليصبح جهازا عسكريا منظما, ومنذ نهاية النزاع العراقيالإيراني عام1988 م, اختار الحرس الثوري لنفسه دورا عسكريا دفاعيا, مع قيامه ببعض المهام المدنية في مجال إعادة الإعمار. وقد توغل الحرس الثوري في مرحلة ارفسنجانيب وتمكن من تسخير جزء ضخم من الاقتصاد الإيراني لصالحه, وفي فترة أحمدي نجاد, كان هناك قدر كبير من التمكين السياسي لعناصر وقيادات الحرس الذين عينوا تحولت المقرات والمؤسسات التابعة للحرس الثوري إلي قوة اقتصادية مهيمنة مما دعا إلي أن يفرض هذا الوضع تناقضات عديدة علي الاقتصاد الإيراني. ويتمتع الحرس الثوري بنفوذ واسع في بنية النظام السياسي, حيث وصل الأمر إلي تحكمه في تعيينات العاملين في المؤسسات الأخري في إيران, وأن يحدد أنشطتهم ويتدخل فيها, بما في ذلك المؤسسة العسكرية النظامية, وأن يعين بعض رجال الحرس السابقين أو الحاليين في مناصب حكومية مهمة. أصبح الحرس الثوري أكثر تماسكا, لكن تزايد وحدته لم يترجم إلي اكتسابه مزيدا من الروح الاحترافية, فقد ظل الحرس تنظيما راديكاليا من جميع جوانبه, وتدخله في السياسة ليس بسبب أن فصائل صغيرة فيه خارجة عن سيطرته, وإنما بسبب تطرفه الأيديولوجي علي مستوي التنظيم بكامله. ومن خلال مدي النفوذ الذي يتمتع به الحرس في صياغة وتنفيذ سياسات الحرب والأمن وتصدير الثورة, وهذه هي الساحة التي قام فيها الحرس بممارسة عقيدته المتشددة الصارمة, ربما يدلل علي هذا الأمر أن الحرس استطاع التحكم في استراتيجية الحرب مع العراق طوال فترة الصراع, وتبني عمليات وأفعالا متشددة, تتناقض أحيانا مع الأهداف التي وضعها رؤساؤه المدنيون, ولم يتردد الحرس قط في استغلال الخلافات بين القادة المدنيين بهدف توجيه السياسات في اتجاه متطرف, ويتضح هذا بشكل كبير في سياسات الحرس ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية, وخلافات قائد الحرس الثوري امحمد علي جعفريب الذي شن هجوما عنيفا ضد روحاني في مناسبات عديدة, خاصة في الاتفاق النووي. ولا يقتصر دور الحرس فقط علي القدرات, والأنشطة الداخلية, بل يمتد دوره أيضا وبشكل كبير للتأثير خارجيا في السياسة الخارجية الإيرانية, وفي الملفات المؤثرة. ولقد كانت, ولفترات طويلة, كانت لبنان هو الساحة الرئيسية لجهود إيران في تصدير الثورة الإسلامية, حيث قام الحرس بممارسة آرائه المتشددة, وعلاقاته الوطيدة من خلال تقديم التدريب, بل والدعم العسكري المباشر, لحزب الله في مناسبات كثيرة وصلت لتحالف إستراتيجي ممتد, ظهر في حرب2006 ضد إسرائيل, ومع دور الحزب في سوريا منذ2011, حيث قاد فيلق القدس, وهو الجناح العسكري للحرس, معظم العمليات علي الأرض, بالتنسيق مع النظام السوري, خاصة في معركة حلب. ويتسع نفوذ الحرس ليطال الداخل العراقي, حيث ظلت قوات الحرس لفترات طويلة لها وجود قوي بعد2003, مما أتاح تأثير سياسي كبير لإيران في المشهد العراقي, وهو ما أثر بشكل كبير علي استلهام فكرة تأسيس قوات االحشد الشعبيب, من تجربة الحرس الثوري. ويمتد نفوذ الحرس بشكل كبير أيضا في اليمن, مع مساندة الحوثيين, من أجل مزيد من الضغط علي الخليج, والنظام السعودي ومحاصرته, بما يحقق المصالح الإيرانية. وعلي الرغم من وجود جيش نظامي لدي إيران, إلا أن الحرس يحتكر التحكم في الأنظمة الصاروخية, ويشرف علي خطط التسليح, والبرنامج النووي الإيراني, وله اليد العليا في القرارات العسكرية والمصيرية في إيران. علاوة علي امتلاكه أسلحة نوعية وأسطولا بحريا وقدرات جوية مستقلة. فالحرس الثوري مجهز بقوات برية وبحرية وسلاح الجو والاستخبارات الخاصة به, علاوة علي القوات الخاصة. ويضم في صفوفه90.000 من الجنود النظاميين ونحو300.000 من جنود الاحتياط. ويمتلك الحرس الثوري أنواعا عدة من الأسلحة تتضمن: أنظمة صواريخ بإمكانها حمل رءوس عنقودية, دبابات, طائرات مقاتلة, وقسم كبير من الأسلحة التي يمتلكها الحرس الثوري هي صناعة إيرانية محلية الصنع. تتنوع الصواريخ التي بحوزة الحرس الثوري الإيراني من حيث المدي بين البعيدة والمتوسطة والقصيرة المدي, مثل صواريخ شهاب, رعد, وخيبر, وطائرات مقاتلة, مثل الشفق والصاعقة, ودبابات, مثل توزان, ذو الفقار, علاوة علي أسطول من الغواصات, مثل الطارق والسابحات. كما يمتلك الحرس الثوري امبراطورية اقتصادية قوية واسعة النفوذ في الداخل الإيراني, من خلال العديد من الشركات التابعة لقادة الحرس في مجالات مختلفة ومتنوعة. وهو الأمر الذي أدي لمواجهات مباشرة بين روحاني والحرس في صراع علي القدرات الاقتصادية, حيث يمثل الحرس القوة الاقتصادية الثالثة في البلاد, وتتراوح نسبة سيطرته علي الأنشطة الاقتصادية بما بين30-40%. كما يدير قرابة100 شركة تصل قيمتها إلي12 مليار دولار تقريبا ويعمل فيها نحو40 ألف شخص. ذلك تمتلك مؤسسة خاتم النبيين نحو800 شركة فرعية وحصلت من خلالها علي آلاف العقود الرسمية لتنفيذ مشاريع. علاوة علي مكاسبه من استخدام الموانئ البحرية الإيرانية لتصدير الأسلحة, والتحايل علي العقوبات من قبل النظام الإيراني منها شركة اأدميرالب للملاحة البحرية التي هربت منها أسلحة إلي اليمن, وشركة احافظ دريا آرياب للملاحة البحرية, علاوة علي شركة والفجر.