كانت توجد قرية هادئة مسالمة, وأهلها ينعمون بالسعادة والمحبة.. ذات يوم جاء إلي القرية رجل غريب. كان بائع عسل متجولا.. بينما هو سائر في طريقه سقطت منه قطرة عسل, فرأتها سحلية, فأسرعت إليها لتلعقها. وبالمصادفة رأتها قطة, فانطلقت نحوها, فأسرعت السحلية بالهرب, وأسرعت القطة تطاردها, حتي فوجئت بأن رأسها قد اصطدم بشيء صلب, فشعرت بآلام شديدة برأسها وكادت تغيب عن الوعي.. ونظرت إلي مصدر الصدمة فرأت رأس كلب ضخم, فأصيبت بالرعب, وفكرت في الهروب فورا, لكنها تراجعت, وقررت أن تستمتع بمعاكسة الكلب, فقد اكتشفت أنه مربوط بسلسلة حديدية أمام بيت صاحبه.. صارت القطة تتقافز أما الكلب وتتراقص حوله, والكلب يكاد يجن من الغيظ وهو ينبح بشراسة.. حتي شبعت القطة من الشقاوة وانصرفت. وخرج صاحب الكلب ليعرف سبب نباحه, فوجد أبناء جاره يلعبون الكرة, فظن أنهم ضايقوا كلبه وتسببوا في الضجيج والازعاج, وشتمهم وحاول أن يضربهم, فبكي الأولاد وصرخوا, فجاء أبوهم بسرعة, وعندما رأي جاره صاحب الكلب, وعرف ما حدث, سارع بالاشتباك معه, وصارت مشاجرة كبيرة فيها شتائم وضرب.. تجمع بعض أهل القرية حولهما. ثم انقسموا إلي فريقين. أحدهما يدافع عن صاحب الكلب, والآخر يناصر الأطفال والأب.. وهكذا صارت معركة كبيرة بين الفريقين... وانتشر خبر المعركة في القرية كلها.. واختلفت أقوال الناس حول المعركة وأسبابها. البعض قال إن اللصوص هجموا علي المنازل, وقال آخرون إنها مناوشات بين القرية وبلدة أخري مجاورة, وزادوا علي ذلك أن تحالفا بين قري أخري نتج عنه هجوم رهيب علي قريتهم, وأن عمليات القتل والنهب لا تحصي لكثرتها. ونادي كثيرون بالقتال ومواجهة الأعداء.. وفي القرية المجاورة انطلقت صيحات مماثلة بعدما انتشرت فيها أقاويل مشابهة.. انطلق أهل القرية بالأسلحة. وهذا ما فعله أهل القري المجاورة.. وبدأت حرب حقيقية طاحنة.. وصلت أخبار المعارك الي حاكم البلاد, فأرسل جزءا من الجيش لإنهاء القتال. أخيرا انتهت الحرب ولكن بعد حدوث خسائر فادحة.. وعاد السلام إلي القرية. لكنه لم يكن دائما, فبين الحين والحين كانت الاحتكاكات تتجدد والمعارك تدور من جديد.. وهكذا فقدت القرية سعادتها وهدوءها, وأصبحت مهددة بالحرب في أي وقت.. وكل ذلك بسبب قطرة عسل لعقتها سحلية! ................ ولد نبيه سمع هذه الحكاية من جده فقال بدهشة: هل من المعقول أن يحدث مثل ذلك؟! قال جده: نعم إذا كثرت الشائعات وتوافرت النوايا السيئة, وعند التسرع في إصدار الأحكام دون علم, وعندما لا يوجد العقلاء. قال الولد: ليتني كنت معهم, لأوضح لهم الأمر قبل حدوث المعارك والحروب. ابتسم جده: أنت تعرف أنه من المستحيل أن تدخل في حكاية قديمة, ولكن العاقل يستفيد من الحكايات.