تقدمت السلطة الوطنية الفلسطينية بطلب للجنة المتابعة العربية بالموافقة علي بدء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل مدتها أربعة شهور, وقد وافقت اللجنة فيما عدا سوريا علي بدء مفاوضات غير مباشرة من خلال الولاياتالمتحدةالأمريكية. وجاء التحفظ السوري مستندا إلي أن مسألة التفاوض أمر يخص الطرف الفلسطيني, ولا مجال لطلب موافقة اللجنة العربية علي مثل هذا الطلب, وهو أمر منطقي من وجهة النظر السورية علي أساس أن سوريا سبق لها ومارست المفاوضات غير المباشرة بوساطة أمريكية, ثم مباشرة وصلت إلي الاقتراب من التوصل إلي صيغة تسوية نهائية عام1998 كما أن سوريا استأنفت مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية, ولا تزال دمشق تنتظر معاودة تركيا للعب دور الوساطة بينهما, وإن ظل الطموح السوري هو مفاوضات غير مباشرة بوساطة أمريكية. في المقابل طلبت السلطة الوطنية تصريحا ببدء هذه المفاوضات من لجنة المتابعة العربية من أجل الحصول علي غطاء عربي لهذه المفاوضات لأهميتها من ناحية لخطورة ما يكن أن يترتب عليها من نتائج من ناحية ثانية. فمن ناحية أولي تبدأ هذه المفاوضات لمدة أربعة, وهي المدة المتبقية من التسعة شهور التي تقرر فيها تجميد الاستيطان في كافة أنحاء الضفة الغربية عدا القدسالشرقية, ومن ثم فهذه المفاوضات مدتها هي الفترة المتبقية من تجميد الاستيطان. ومن ناحية ثانية فهذه المفاوضات سوف تجري من خلال وساطة أمريكية, فالوسيط الأمريكي سوف يتنقل بين تل أبيب ورام الله من أجل الوصول إلي صيغة توافقية تكون كافية لإقناع الطرفين بالانتقال إلي المفاوضات المباشرة. ويدرك الجانب الفلسطيني ممثلا في السلطة الوطنية الفلسطينية أن الدول العربية الموصوفة بالممانعة لا تملك سوي المزايدة, وأنها يمكن أن تشن حملة إعلامية تشوه من خلالها دور السلطة لاسيما من خلال الفصائل الفلسطينية العشرة الموجودة في دمشق, في نفس الوقت فإن الدول العربية الموصوفة بالمعتدلة لا تملك سوي تشجيع السلطة بعيدا عن وسائل الإعلام, كما أنها يمكن أن تخرج في أي لحظة وتوجه سيلا من الانتقادات للسلطة الوطنية إذا ما اقتضت مصالحها ذلك. لكل ذلك حرصت السلطة الوطنية علي الحصول علي موافقة صريحة من الجامعة العربية لجنة متابعة مبادرة السلام العربية للمضي قدما في هذه المفاوضات, فالسلطة تدرك أن الدول العربية المعتدلة سوف تقدم لها الموافقة التي تريد, والدول العربية الموصوفة بالممانعة لا تملك البديل, أي أنها لا تملك بديلا تقدمه للسلطة الوطنية لاسيما وأن سوريا كانت منخرطة في مفاوضات غير مباشرة عبر وساطة تركية, والرئيس السوري طلب من تركيا تحسين علاقاتها مع إسرائيل من أجل استئناف جهود الوساطة مجددا. ويأتي إصرار السلطة علي طلب الموافقة العربية نظرا لانه سوف يترتب علي هذه المفاوضات من نتائج, فهذه المفاوضات تأتي لاحقة للتوافق علي تنفيذ خطة' سلام فياض' نسبة إلي رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض, والتي تركز علي بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وبنيتها التحيتية وتدشين أسس الدولة علي الأرض اقتداء بالتجربة الإسرائيلية نفسها, فالجماعات الصهيونية, كانت قد أنشأت بنية الدولة ومؤسساتها, من أجهزة وجامعات بل وقوات عسكرية قبل صدور قرار التقسيم, ومع صدور قرار التقسيم جري رفع العلم ذي النجمة السداسية, فعملت مؤسسات الدولة علي الفور, وكانت قادرة علي القيام بوظائف الدول الحديثة. خطة مشابهة يجري العمل فيها اليوم علي ما تبقي من أرض فلسطين- حوالي22%, في حين أن قرار التقسيم الصادر عام1947 كان خصص للدولة الفلسطينية نحو43% من مساحة فلسطين أو ضعف مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة فوفق الخطة المنسوبة لرئيس الوزراء الفلسطيني يجري العمل من أجل تدشين أسس الدولة, بحيث أنه في اللحظة التي يعلن فيها قيام الدولة أو يتم الاتفاق علي التسوية النهائية, يفع العلم الفلسطيني رسميا, فتعمل مؤسسات الدولة علي الفور. ويبدو أن هناك توافقا أو تفاهما بين السلطة الوطنية والإدارة الامريكية علي ضرورة استثمار الفترة المتبقية من تجميد الاستيطان, للوصول إلي اتفاقات عامة حول حدود الدولة الفلسطينية, بمعني أن يتم التوافق علي المناطق التي سوف تضمها إسرائيل من أراضي الضفة الغربية في التسوية النهائية, والمقابل الذي ستحصل عليه الدولة الفلسطينية لقاء ذلك, مع توافق أيضا حول باقي قضايا الوضع النهائي. وربما يكون الجانب الفلسطيني قد حصل علي وعد من الإدارة الأمريكية بالتحرك صوب مجلس الأمن لاستصدار قرار يعلن قيام الدولة الفلسطينية في حال فشل المفاوضات غير المباشرة في التوصل إلي صيغة تسوية توافقية. المرجح أن السلطة الوطنية الفلسطينية لديها من التطمينات ما يكفي كي تقبل بمفاوضات غير مباشرة لمدة أربعة شهور, فمصداقية الإدارة الأمريكية وصورتها في المنطقة, ومصالحها أيضا محل اختبار جدي, فإما التسوية وفق صيغة تقبل بها السلطة الوطنية وتباركها الدول العربية المعتدلة, أو حالة من التوتر الشديد في المنطقة تصب في مصلحة قوي التشدد والتطرف في المنطقة. وربما يكون ذلك فرصة للدول العربية المعتدلة كي توظف ارتباطاتها وعلاقاتها الخارجية عامة ومع الولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة, من أجل الدفع باتجاه تسوية سياسية مقبولة في الفترة القادمة أو الوصول إلي توافق مع القوي الدولية الكبري بأنه في حال فشل المفاوضات يتم تبني قرار في مجلس الأمن بإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة, ومن ثم تتغير الطبيعة القانونية للمفاوضات من كونها بين سلطة الاحتلال وسلطة ممثلة للشعب الخاضع للاحتلال إلي كونها مفاوضات بين دولتين إحداهما تحتل معظم أراضي الدول الأخري. وصراحة ما لم تكن السلطة الوطنية والأطراف العربية المعتدلة قد توصلت إلي صيغة من هذا القبيل, فإن فشل مفاوضات الأربعة شهور القادمة سيعني مزيدا من تآكل ما تبقي من شعبية وتراجع ما هو موجود من مكانة لحساب قوي أخري لا تفعل سوي أنها تستثمر أخطاء قوي الاعتدال في المنطقة.