شاركت في لجنة قومية لوضع استراتيجية للحفاظ علي لغتنا العربية طرحت فيها المقاطعة كآلية عمل يمكن من خلالها تحقيق نجاحات في فضاءات قانونية, فاستغربها زملاء الاجتماع لخروجها عن النص حيث درج واضعو استراتيجيات مختلف أعمالنا( وهي نادرة وللأسف) علي مخاطبة الآخر بصرف النظر عن كينونته وإن كان في الغالب المؤسسات الرسمية دونما مخاطبة أنفسنا. ينطلق طرحي لقضية المقاطعة من عدة مداخل أبرزها أن القانون لم يوضع لتنفذه جهة واحدة بعينها بل علي الجماهير المساعدة في تطبيقه دون أن تنتقص من حق الدولة في القيام بدورها بل تطبيق لمبدأ المشاركة المجتمعية وإنفاذا للقانون ذاته وهو ما تلجأ إليه بعض الحكومات حال عدم إمكانها تفعيل مختلف جوانب بعض القضايا فمثلا تنص المادة33 من قانون باتريوت الأمريكي علي وجوب مساعدة المواطنين للجهات الحكومية في الحصول علي المعلومات. حين ننظر إلي قوانين استخدام اللغة العربية والتي لا تكاد تخلوا منها دولة عربية وإلي واقع لغتنا نجد تقاعسا عن تطبيق القانون من الجهات المسئولة وهو ما يستصرخ المواطن الشريف إلي المعاونة في إنفاذ تلك القوانين, ولكن كيف ويبدو أنه لا يملك في الغالب أي قوة أو إمكانات؟ الحقيقة أن السؤال يدعو للتفكر انطلاقا من واجبات المواطن تجاه مجتمعه وتجاه إنفاذ القانون بلا عنف ببذل جهد في طاقة كل منا وهي مقاطعة تلك المنتجات وتلك المؤسسات التي لا تلتزم بتطبيق القانون, بل إن التعاون مع تلك الجهات بشراء منتجاتها أو بالترويج لتلك المنتجات سلبا يدخلنا في شراك مجتمعي نساعد فيه المخالف علي التمادي في غيه بمخالفة القانون. ونحن هنا لا نقف عند حد التباكي علي قانون يتم التغاضي عن تنفيذه لقلة إمكانات التنفيذ أو لضآلة الغرامة المستحقة نتيجة مخالفة القانون أو غيرها من الأسباب التي قد تشمل الفساد بمختلف أنواعه ولكننا بجعل مقاطعتنا آلية عمل بل وهروبا للأمام نجعل القضية حية في أذهاننا وهو أمر يراهن المخالفون عليه! الجانب الآخر من القضية أن أية أعمال إيجابية تصب في المجتمع خاصة من هيئات المجتمع المدني والمثقفين تنفيذا للقانون أمر يجب تشجيعه ومقاطعة ما ينتهك قوانين المجتمع ماديا ومعنويا( سواء أدركت تلك المؤسسات ذلك أم لم تدركه) فسوف تلفت تلك الأعمال السلبية ظاهريا الإيجابية فعليا نظر تلك المؤسسات إلي الالتفات لعنصر مهم من عناصر هويتنا وهو لغتنا العربية. الأمر الآخر الذي يمكن ملاحظته في أغلب استراتيجياتنا هو غياب فسحة من العمل يمكن للمواطن العادي والذي أضحت مساهمته حيوية في المجتمع عن رغبة منه سواء في المجتمعات المتقدمة والمتخلفة, بل إن تشجيعه للقيام بدوره في مجتمعاتنا أكثر إلحاحا. إن إبراز هذا الدور بل وتشجيع القيام به يجب أن يتصدر دور المثقفين في مجتمعاتنا بتضمين ذلك في القوانين وفي الاستراتيجيات وغيرها من مناهج العمل دون أن ننتقص من واجب الحكومات والهيئات في القيام بدورها, لقد باتت لغتنا في محنة حيث تحاصرها العاميات واللغات الأجنبية وقبل ذلك الشعور بالدونية لغويا( وهو أمر خاطئ لأن لغتنا قد استوعبت الحضارة العلمية والإنسانية قديما كما أنها متفردة ومتميزة من ناحية التراكيب رسما ونطقا), وتقنيا وهو أمر يستدعي دفع المجتمع بقوة للأمام كي يستوعب آليات التقنيات ويهضمها وهو ما لا يمكن فعله إلا من خلال بوتقة واحدة للمجتمع ككل وهي اللغة العربية. ولتكن مقاطعتنا لمن يهدم لغتنا خطوة في مسيرة بناء بوتقة قومية لغوية واحدة تتماسك من خلالها جزئيات المجتمع وتستوعب إضافاته وإبداعاته.