مشهد المصلين الفلسطينيين وهم يؤدون الصلاة خارج حرم المسجد الأقصي, بينما المستوطنون يدنسون باحاته الداخلية, يوحي بأن الاستهداف الصهيوني متواصل ويقترب من فعلته الكبري بحق أولي القبلتين التي أصبحت محاصرة بالبوابات الإلكترونية والحواجز العسكرية ومختلف إجراءات العدوان الجائر. وقد افتضح, بما لا يدع مجالا للشك, أن سلطات الاحتلال تنفذ مخططا مبيتا لإنشاء واقع جديد في الحرم القدسي المبارك. لم تنطل علي الفلسطينيين المزاعم الصهيونية التي تختصر إرغام المصلين علي الدخول من البوابات الإلكترونية في مجرد إجراء أمني, بينما حقيقته تمهيد لتدبير خطر يجري إعداده, ولذلك التزمت المرجعيات الدينية والسياسية الفلسطينية, المدعومة عربيا وإسلاميا, بعدم الانصياع لإرادة الاحتلال ومشروعه الخبيث. ومع بدء الاعتصامات أمام البوابات المغلقة والامتناع عن الصلاة قهرا في الحرم, أصبح الوضع العام مرشحا لتصعيد شعبي واسع النطاق, وهو الخيار الأخير الذي سيلجأ إليه الفلسطينيون إذا استمر العناد الصهيوني ولم يرتدع أمام مطالب فك الحصار وإطلاق حرية العبادة وعدم إعاقة طريق المصلين واحترام الشعائر الدينية للمسلمين. ومن خلال البيانات الحاسمة ومشاعر الغضب السائدة يتبين أن حجم المواجهة, إذا اندلعت, سيكون كبيرا جدا وسيتجاوز توقعات الاحتلال, فالشعب الفلسطيني يغلي منذ سنوات, وفي هذه المرحلة, تضافرت كل العوامل الدافعة إلي انفجاره, بعدما بدأت تتشكل عزيمة جبارة للإطاحة بهذا المخطط الصهيوني الرامي إلي تغيير الوضع التاريخي للمسجد الأقصي وسلبه من المسلمين استعدادا للحظة المناسبة لنسفه وتهويده. وهذا الهدف لم يعد خافيا بدليل التبجح الصهيوني الذي يعبر عنه المستوطنون بالتأكيد علي أن المسجد الأقصي أصبح بأيديهم بعد خمسين عاما من احتلال القدس, ولن يمنعهم شيء من إقامة الهيكل المزعوم. صحيح أن القضية الفلسطينية تمر بأسوأ حالاتها لانشغال المنطقة والعالم بأزمات لا تنتهي, ولكن لن يترك الحبل علي الغارب للصهاينة ليفعلوا ما يشاءون ويضربوا أحد أخطر الخطوط الحمر في فلسطين, وهو المسجد الأقصي, فقد خلف منع صلاة الجمعة لأول مرة جرحا غائرا لدي المسلمين كافة, وإذا تكرر المنع ثانية فلن تكون العاقبة هينة. فالصلاة لن تكون أبدا تحت سيادة الاحتلال, ولن يخضع المصلون لإجراءات تحديد مواقيت الدخول والخروج, ولا دوريات الفرز المنصوبة علي البوابات والشوارع. وقد عبر شيوخ الأقصي وخطباؤه عن هذا الموقف, بينما دخلت الفصائل في استقطاب جماهيرها, ودعت حركة فتح إلي يوم غضب عارم وشد الرحال من مختلف الأرجاء الفلسطينية إلي القدس, ومن المتوقع أن هذه الدعوات ستشتد بناء علي مواقف الصهاينة في الساعات والأيام القليلة المقبلة. العملية الفدائية التي حدثت الجمعة الماضي واستشهد فيها ثلاثة شبان, قد تكون المقدمة لما سيواجهه جنود الاحتلال ومستوطنوه في آخر المطاف, أما في الوقت الحالي فسيقتصر الرد الفلسطيني علي التحرك الدبلوماسي في الخارج, وتنظيم الاعتصامات والتظاهرات في الداخل والشتات لإكساب قضية الأقصي زخما إعلاميا وسياسيا يكون بمستوي التهديد ومخاطره. وبقطع النظر عن الإحباط الواسع في كل مكان, فلن يستطيع الصهاينة قهر الشعب الفلسطيني في المسجد الأقصي هذه المرة, وسيكتشفون أن الرد مختلف وسيأتي من حيث لا يحتسبون. نقلا عن جريدة الخليج الإماراتية