إن من أعظم النعم التي امتن الله تعالي بها علي عباده أن جدد لهم مواسم الخير علي مدار العام, ليتزودوا من الأعمال الصالحات, ويتقربوا إلي الله تعالي بأنواع الطاعات. ومن هذه المواسم العظيمة التي هي منحة من المولي عز وجل لعباده المؤمنين شهر رمضان المبارك, الذي اختصه الله تعالي بأنواع من المنن والكرامات وأعظم فيه الأجور, حتي يستكثر المسلم من الأعمال الصالحة, والقربات المباركة. رمضان شهر الخيرات فإذا أقبلت الخيرات والبركات, وتنوعت العبادات والأدعية والابتهالات, وصام المسلم عن الطعام والشراب والمنكرات وسائر الموبقات. يقول الدكتور عبد التواب عثمان بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة شهر اختصه الله تعالي بفضائل عظيمة ومكارم جليلة, فهو كنز المتقين, ومطية السالكين, شهر اختصه الله بتنزل الرحمات والبركات من رب الأرض والسماوات. من خيره أنه يحث علي البر, والإعراض عن الشر, حيث يقهر المسلم نفسه ويلزمها ترك الشهوات, ويتعلم كظم الغيظ والإعراض عن الدنيا, ويسعي في الاقبال علي الآخرة, بقلب سليم ونية صافية. يتعلم استحضار المراقبة لله تعالي في القلب, ويعتاد محاسبة النفس, فترتقي إلي الفضائل حتي يكون من أهل المكرمات. إنه الكريم رمضان, شهر البر والإحسان, والتوبة والغفران, والتماس الرحمات من الرحيم الرحمن, لكل مخطئ ندمان. إنه شهر السعادة الروحية, التي يستشعرها المسلم في كل يوم من أيام الشهر المبارك, حين يشعر بهذه الفرحة التي بشره المولي تبارك وتعالي بها, عن أبي هريرة, قال: رسول الله صلي الله عليه وسلم: للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح, وإذا لقي ربه فرح بصومه. إنه رمضان, المدرسة التربوية التي يتدرب فيها علي المسلم علي أنواع من العبادات, فيتدرب أولا علي تقوية إرادته في الوقوف عند حدود ربه, والتسليم لحكمه, وتنفيذ أوامره وشريعته. ثم يتدرب علي حفظ جوارحه وإخضاعها لأمر ربه حتي يحصل علي التقوي التي هي المحصلة النهائية والنتيجة الجامعة لغاية الصيام وأهدافه( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون). ويضيف د. عبد التواب عثمان رمضان فرصة للتقوي ليصبح العبد من رمضان المتقين الأخيار, ومن الصالحين الأبرار. رمضان رقة للقلب, وصيانة للجوارح, وقطع لأسباب التعبد لغير الله تعالي, وهو شعار الأبرار كما قال صلي الله عليه وسلم في دعائه:( جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار, يقومون الليل ويصومون النهار, ليسوا بأثمة ولا فجار). من بركاته ونفحاته العتق من النار, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن لله تبارك وتعالي عتقاء في كل يوم وليلة يعني في رمضان وإن لكل مسلم في يوم وليلة دعوة مستجابة. من بركاته ونفحاته تصفيد الشياطين فيحال بينها وبين المؤمنين, وإغلاق أبواب النار وفتح أبواب الجنان لاستقبال الطائعين, قال صلي الله عليه وسلم: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن, وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب, وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق فيها باب, ومناد ينادي يا باغي الخير أقبل وي باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار, وذلك كل ليلة. قل الحسن البصري: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلي مرضاته, فسبق قوم ففازوا, وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون. ويقول الدكتور نبيل عجيب جاد بوزارة الأوقاف إن شهر رمضان الكريم فرصة كبيرة للتقرب إلي الله سبحانه وتعالي, فهو شهر اختصه الله بفضائل عظيمة ومكارم جليلة, فهو كنز المتقين حيث جعله الله تعالي لمضاعفة الحسنات, ومغفرة الذنوب والزلات, ولذا تكثر فيه الأعمال الصالحات من تلاوة القرآن, وعبادة الله وقيام الليل, والإحسان إلي الفقراء والمساكين, قال تعالي:{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ما هداكم ولعلكم تشكرون}, البقرة:185]. ولشهر رمضان مزيد من فضل الله عز وجل ومضاعفة الأجور, فهل من مشمر؟ وهل من منفق ومتصدق؟ هل نحرص علي أن نقوم بأعمال الخير, ونفزع إليها, ونرتبط بها؟ إن ذلك ما ينبغي أن نتواصي به في هذا الشهر الكريم, فإن للأعمال في رمضان خصوصية ليست في غيره من الشهور. وما أعظم الإنفاق في سبيل الله في هذا الشهر وغيره, حيث يبشر العبد بالزيادة, وأن الله تعالي يخلف علي العبد المتصدق بل ويزيد له في الحال, فهذا أحد مفاتيح الرزق التي يستنزل بها رزق الله عز وجل, يقول الله تعالي:{ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}, سبأ:39], وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة( رضي الله عنه) قال: قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم):( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا, ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا). وإذا كنا بحاجة إلي كرم الله وجوده لا سيما في هذه الأيام المباركة, فعلينا المسارعة إلي البذل والإنفاق والجود, فإن الله عز وجل يكرم من يكرم عباده, ويعطي السخي من عباده, فعن أبي هريرة( رضي الله عنه) أن النبي( صلي الله عليه وسلم) قال: قال الله تبارك وتعالي يا ابن آدم أنفق أنفق عليك رواه البخاري ومسلم; فشهر رمضان شهر يجود الله فيه علي عباده بالرحمة و المغفرة و العتق من النار لا سيما في ليلة القدر, فمن جاد علي عباد الله جاد الله عليه بالعطاء و الفضل, و الجزاء من جنس العمل, ولهذا كان النبي( صلي الله عليه وسلم) يزداد جوده وبذله في رمضان. ويشير د. نبيل مجيب كان رمضان شهر الرحمة والجود, فهو شهر بر وصلة, فما ألطف أن يتعهد العبد أهله وأولي الأرحام منه في هذا الشهر المبارك, فيدخل عليهم الفرحة والسرور, ويتقرب إليهم, احتراما للكبير ورحمة للصغير وصلة للرحم. فالصائم يتشبه بأخلاق النبي( صلي الله عليه وسلم), حيث كان( صلي الله عليه وسلم) يعتني في كل أحواله بنفع الناس وإسداء الخير لهم, كما قالت له زوجه خديجة( رضي الله عنها):( كلا والله لا يخزيك الله أبدا; إنك لتصل الرحم, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين علي نوائب الحق) رواه البخاري. ولا ريب أن الصائم يجد في شهر رمضان فرصة إلي صلة أرحامه وزيارة أهله وإكرام ذوي القربي منه, وتعهدهم بالزيارة والسؤال, وقد روي الشيخان عن أبي هريرة( رضي الله عنه) أن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قال:( من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره; فليصل رحمه). وما أعظم من أن يتفقد العبد المؤمن أهله وأقاربه في رمضان; فيعين فقيرهم ويرحم ضعيفهم وينفس كرب المبتلي منهم; فقد قال النبي( صلي الله عليه وسلم):( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). وعن عبد الله بن عمرو( رضي الله عنهما) عن النبي( صلي الله عليه وسلم) قال: ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها أخرجه البخاري. وفي دعوة صريحة لتفقد الأهل, وتعاهد الأقارب وأولي الأرحام, أمر الله بإعطائهم من الحقوق الواجبة لهم علي أقاربهم الأغنياء, من بر وصدقة, قال الله تعالي:{ وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل}, الإسراء:26]. وقال تعالي:{ وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}, النساء:36], فأوجب الله تعالي حقا لذوي القربي والأرحام, وافترض الإحسان إليهم, والإحسان يقتضي التعاهد بزيارتهم, والإنفاق عليهم, والقيام علي مصالحهم. إن هذا الشهر اختصه الله بتنزل الرحمات والبركات من رب الأرض والسماوات, يقول النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم: أتاكم رمضان شهر مبارك, فرض الله عز وجل عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب السماء, وتغلق فيه أبواب الجحيم, وتغل فيه مردة الشياطين, لله فيه ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم فالحمد لله أن بلغنا شهر رمضان بنعمة منه وفضل, ونحن في صحة وعافية وأمن وإيمان, فهو أهل الحمد والفضل. فرحنا برؤية هلاله, فهلاله ليس كبقية الأهلة, هلال خير وبركة, عم ببركته أرجاء العالم, ونشر في النفوس روح التسامح والألفة والمحبة والرحمة, صح عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله عند رؤية الهلال: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان, والسلامة والإسلام, ربي وربك الله, هلال رشد وخير, وما أعظم أن نسعي في هذا الشهر الكريم من إقبال علي الخير وحرص علي إفطار الصائمين وإكرام للأقارب والأرحام; إن رمضان جاء ليحرك الخير فينا, فالخير في نفوسنا أصلا لكن رمضان يحرك ما كان راكدا, ويساعد بنفحاته وجوده الإيماني علي ظهوره, ألا فليكن رمضان بداية لنا لا نهاية للجود والكرم والبر وصلة الأرحام, والإقبال علي الخير.