كلما ضقت ذرعا من مطالعتي للصحف اليومية التي أحرص علي متابعة نماذج من المستقلة والقومية أهرع إلي قراءة كتاب رجال حول الرسول للكاتب الكبير خالد محمد خالد. و الذي يبهرني اسلوبه العربي الرصين وطريقة عرضة للأفكار بالشكل الذي يزيد من احساسي بحلاوة ما يكتب وعمق ما يعرض فماذا يقول عن الرسول المتبوع من الرجال العظام؟ يبدأ في عرض قبسات من ضيائه الغامر يحمل سمات عظمته النادرة التي نادت إليه ولاء المؤمنين وجعلتهم يرونن فيه الهدف والطريق والمعلم والصديق.. يقول: ما الذي جعل سادة قومه يسارعون في تقبل كلماته ودينه..أبو بكر الصديق وطلحة والزبير وعثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص متخلين بهذه المسارعة المؤمنة عن كل ما كان يحيطهم من قومهم من مجد وجاه.. مستقلبين في نفس الوقت حياة تمور مورا شديدا بالأعباء والصعاب والصراع؟ ما الذي جعل ضعفاء قومه يلوذون بحماه ويهرعون إلي رايته ودعوته وهم يرونه اعزل من المال ومن السلاح.. ينزل به الاذي ويطارده الشر في تحد رهيب دون ان يملك له دفعا؟ والذي جعل جبار الجاهلية عمر بن الخطاب وقد ذهب ليقطف رأسه الشريف بسيفه يعود ليقطف بنفس السيف الذي زاده الإيمان مضاء رءوس اعدائه ومضطهديه؟ ما الذي جعل المؤمنين به يزيدون ولا ينقصون وهو الذي يهتف فيهم صباح مساء لا أملك لكم نفعا ولا ضرا. ولا أدري ما يفعل بي وبكم؟ ما الذي جعل صفوة رجال المدينة ووجهاءها يغدون اليه ليبايعوه علي ان يخوضوا معه البحر والهول وهم تعلمون ان المعركة بينهم وبين قريش ستكون أكبر من الهول؟ ما الذي جعلهم يصدقون ان الدنيا ستفتح عليهم اقطارها وان اقدامهم ستخوض خوضا في ذهب العالم وتيجانه وان هذا القرآن الذي يتلونه في استخفاء ستردده الآفاق عالي الصدح قوي الرنين لا في جيلهم فحسب ولافي جزيرتهم فحسب بل عبر جميع الزمان وجميع المكان؟ ما الذي جعلهم يصدقون هذه النبوءة يحدثهم بها رسولهم وهم الذين يتلفتون فلا يجدون امامهم, وخلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم سوي القيظ والسغب وحجارة تلفظ فيهم الحميم وشجيرات يابسة طلعها كأنه رءوس الشياطين؟ ما الذي ملأ قلوبهم يقينا وعزما؟ انه ابن عبد الله.. ومن لكل هذا سواه؟ لقد رأوا رأي العين كل فضائله ومزاياه... رأوا طهره وعفته وامانته واستقامته وشجاعته.. رأوا سموه وحنانه.. رأوا عقله وبيانه.. رأوا الشمس تتألق تألق صدقه وعظمة نفسه.. سمعوا نمو الحياة يسري في اوصال الحياة عندما بدأ محمد يفيض عليها من وحي يومه وتأملات امسه.. رأوا كل هذا وأضعاف هذا لا من وراء قناع بل مواجهة وتمرسا وبصرا وبصيرة.