كان ظهور الفلاح الفصيح حمام عمر ابن قرية المراشدة ليشكو للرئيس السيسي عن الظلم الذي تعرض له أهل قريته, هو المدخل الذي أدي لانفعال الرئيس السيسي وغضبه الواضح وهو يصدر تكليفات مشددة بالإزالة الفورية للتعديات علي أراضي الدولة علي مستوي الجمهورية.. علي ان يتم رفع التمام بالتنفيذ في نهاية الشهر, اي بعد أكثر قليلا من أسبوعين من صدور الأمر. هلل الكثيرون لهذا الخبر معتقدين بأنه قد تم توجيه ضربة قاصمة لمافيات الأراضي الصحراوية, ولكن ما لا يعرفه معظم الناس ان المضي في تنفيذ مثل هذا القرار سوف يخلق الكثير من المآسي وسوف يحطم حياة الكثير من الناس الذين أنفقوا حياتهم في استصلاح قطعة من الأرض يتقوتون منها وتشعرهم بآدميتهم, في هذا الوطن الذي يتجهم صباح مساء في وجه أبنائه. وباعتباري من أبناء محافظة قنا, فسوف أتحدث هنا عما أعرفه كمثال للتوترات والمصائب المترتبة علي قصة الأراضي المستصلحة ومن هو المتعدي ومن هو صاحب الحق.. فنحن جميعا نعرف ان النيل في الصعيد يجري في وادي ضيق تحفه الصحراء والجبال علي الناحيتين. وبوجه عام تنقسم الأراضي المستصلحة الي قسمين: القسم الأول هو أراضي أملاك الدولة, وهي التي تقع في مدي2 كيلومتر داخل الصحراء قياسا من آخر نقطة في زمام الأراضي المنزرعة في الوادي. وهذا القسم يتبع إدارة أملاك الدولة بوزارة الزراعة, ومن المفترض ان إجراءات الاستصلاح فيه ميسرة, حيث يجري تمليكها بعد المعاينة علي الطبيعة ورسم الخرائط, ويدفع المواطن الثمن التقديري الذي تحدده اللجنة المختصة. أما القسم الثاني فهو الذي يقع فيما هو أبعد من ال2 كم. وهو يتبع هيئة التعمير واستصلاح الأراضي التي تتبع سلسلة معقدة من الإجراءات تقتضي موافقة تسع وزارات من بينها الدفاع والآثار والزراعة والري وغيرهم.. وهذه الإجراءات في العادة تتأخر سنوات طويلة لكي يبقي الموقف معلقا.. وينتج عن ذلك ان تبقي الأرض في حوزة واضع اليد الذي يأمل في إنهاء الموافقات, في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن ينجز استثماره بشكل كامل خشية سحب الأرض في أي لحظة.. وفي المقابل نجد بعض الطفيليين ممن يسلكون طرقا فاسدة يقومون بتحويل وضع اليد الي منتجعات وينقلون ملكيتها الي مشترين أبرياء ويحصلون هم علي المليارات. في مثال محافظة قنا نجد ان كل أصحاب المزارع الصغيرة التي تقع في حيز أملاك الدولة يقفون عاجزين عن إتمام إجراءاتهم القانونية منذ سنوات طويلة بسبب خلاف لا يد لهم فيه بين وزارة الزراعة وبين ديوان محافظ قنا.. ومن ثم يظلون عرضة لتعنت أو تربص أجهزة الإدارة المحلية.. وكذلك من استصلحوا في أراضي التعمير بمساحات صغيرة أو كبيرة وقدموا أوراقهم منذ أكثر من15 سنة ولم يتم انجاز معاملاتهم لكي يفاجأوا بعد ذلك باتهامهم بالتعدي وطردهم وردم آبارهم.. يعني بالعربي الفصيح الدولة لا ترحم.. ولا تترك رحمة ربنا تنزل. وهكذا فإن هناك تداخلا هائلا بين من عملوا بجد ومازال موقفهم القانوني غير مكتمل لظروف خارجة عن إرادتهم.. وآخرين هم فعلا من تجار ومافيات الأراضي.. فكيف يتم فرز كل ذلك خلال أسبوعين.. أم سيتم خلط الحابل بالنابل في عملية قهر وتعسف, سوف ينجو منها علي الأغلب أصحاب النفوذ ومن يجدون حظوة لدي جهات التنفيذ ويستطيعون إيصال صوتهم لها.