مثلما جاء إعلان دول حوض النيل عن توقيعها علي الاتفاقية الإطارية لنهر النيل منذ أشهر بمثابة الصدمة للجانب المصري الذي وجد نفسه في موقف لايحسد عليه في قضية تمثل حياة أو موتا بالنسبة له. حيث تشير التقديرات إلي اعتمادنا علي مياه النيل بنسبة تتجاوز ال97% بما يؤكد مقولة هيرودوت عن أن مصر هبة النيل, جاءت أيضا بعض الطمأنينة من إثيوبيا خلال زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية لها اخيرا بإعلان تأجيلها التصديق علي الاتفاقية ولكن بقيت جهود مصرية لابد أن تبذل مع دول يربطنا بها شريان مائي يمثل لنا الاستمرار في الحياة. توجهنا لقراءة الموقف للدكتور محمد طايع سالمان أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة والباحث في الملف المائي لدول حوض النيل فأكد لنا أهمية استمرار العمل المصري الجماعي في هذا الشأن سواء بشكل رسمي أو شعبي لإصلاح أخطاء استمرت طويلا مع الانطلاق من قاعدة المصالح المشتركة مع دول الحوض وإعلاء شعار المشروعات مقابل المياه خاصة في مجالات الطاقة. * في البداية كيف تقرأ التغير في الموقف الإثيوبي وإعلان إثيوبيا تأجيل التصديق علي الاتفاقية الإطارية عقب زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية لها اخيرا؟ ** أولا الدبلوماسية الشعبية حركت المياه الراكدة في العلاقات بين البلدين وأزالت الكثير من الحساسيات في العلاقات الرسمية التي استمرت كثيرا ولكن لايجب أن نعول كثيرا عليها لأننا إذا كنا قد تحركنا خطوة إلي الأمام فلا يجب أن ننسي أن هناك بعض القوي الخارجية التي تسعي إلي إبطاء أي تحرك مصري إيجابي نيلي فهناك مايسمي بمحاولات العودة للخلف في هذا المسار لذلك يجب تأكيد أن قضية نهر النيل هي بالأساس ملف سياسي وبالتالي يجب أن نثمن تحركات الدبلوماسية الشعبية التي تعد خطوة مهمة حاليا لأن الدبلوماسية الرسمية كانت قد دأبت لفترة طويلة علي أن تتصرف بمفردها وأن تهمش جميع الجهود الأخري سواء كانت من الجامعة أو الأحزاب أو البرلمان أو الأزهر أو الكنيسة وغيرها وقد آن الأوان لتحزيم وإطلاق هذه الجهود من أجل الوصول إلي الهدف المبتغي علي أن تكون هناك قوة دفع مستمرة في هذا الإطار مع الانطلاق من قاعدة بناء المصالح المشتركة مع دول حوض نهر النيل. * ولكن لماذا إثيوبيا تحديدا من بين دول حوض النيل؟ ** لأن إثيوبيا هي أقوي دولة في النظام الإقليمي لدول الحوض بعد مصر وبالتالي فهي فاعل إقليمي في السياسة الدولية بجانب أنها واحدة من دول القرن الإفريقي المهمة جدا التي تلعب دورا في التفاعلات السياسية التي تتم في منطقة البحر الأحمر ومنطقة المحيط الهندي حيث توجد القاعدة الأمريكية الشهيرة تييجو جارسيا فضلا عن أن إثيوبيا تعد أكبر رافد لمياه النيل التي تصل لمصر والسودان فهي صاحبة الجزء الأكبر من الإيراد المائي الذي يصل لدولتي المصب لنهر النيل وبالتالي فهي دولة مؤثرة في المعادلة المائية أو الهيدروليكية وأيضا في المعادلة السياسية والجيواستراتيجية من ناحية أخري. * وبماذا تنصح المتعاملين مع الملف المائي علي المستويين الرسمي والشعبي؟ ** بالأساس عليهم أن يكونوا طويلي النفس لأن هذا الملف سيحتاج إلي جهد ووقت طويل لمعالجته لأننا ارتكبنا أخطاء استراتيجية كثيرة لوقت طويل وقد آن الأوان لأن نرفع شعار المشروعات في مقابل المياه مع دول حوض النيل بمعني أننا إذا كنا في مصر نتحدث عن أمن مائي يتطلب استمرار تدفق المياه إلينا بكميات مناسبة سواء الحصة الحالية البالغة55,5 مليار متر مكعب أو زيادتها بكمية أخري فيجب علينا أن نتوجه نحو إعمار هذه الدول ولا أقصد بناءها أو تنميتها ولكن المساهمة في مشروعات تنموية ضخمة نكون شركاء فيها مع هذه الدول وأهم هذه المشروعات هي مشروعات الطاقة كما يجب الحرص علي التناغم والتنسيق في عمل الفريق المصري من مختلف الجهات السياسية والاقتصادية والشعبية وغيرها مع توسيع النظرة إلي الملف باعتباره قضية حياة كاملة لمصر تتطلب تدخل الجوانب الثقافية والدينية والبيئية مع ضرورة تغيير المفاهيم التفاوضية وأن نتخلي عن اللهجة الإستعلائية التي تميز المفاوض المصري الذي يعلم أن الطبيعة ميزت مصر بانحدار الأرض والميل الطبيعي فيعمل من منطلق أن الجيولوجيا في صالح مصر. * ذكرت مايتعلق بالموقف الإثيوبي فماذا عن بقية دول حوض النيل؟ ** دول حوض النيل الأخري تلعب أدوارا متفاوتة وبعضها ليس لها علاقة بهذا الملف سواء من قريب أو بعيد لهامشية اعتمادهم علي مياه نهر النيل من الأساس. * مانسب اعتماد دول الحوض علي مياه النيل؟ ** في الوقت الذي تعتمد فيه مصر علي مياه نهر النيل بنسبة97% تقريبا مما يجعل الأمر بالنسبة لها حياة أو موتا نجد أن بقية دول الحوض لاتعتمد عليه بشكل كبير فمن بعد مصر نجد رواندا تعتمد علي مياه النيل بنسبة حوالي15% ثم السودان بنسبة12% ثم كينيا بنسبة6,6% ثم إثيوبيا بنسبة2% ثم أوغندا بنسبة1,6% وبقية الدول نسب اعتمادها أقل من1% * وماذا عما يتردد بشأن الدور الإسرائيلي في الأمر؟ ** يمكن القول أنه في الوقت الحالي إسرائيل لا تلعب دورا مباشرا مثلما كان يتم ذلك في فترات سابقة كانت لها مخططات بدأتها بمشروع قدمه تيودور هاندزل لتوصيل مياه نهر النيل إليها وحينها لم يجد هذا المشروع قبولا من الجانب المصري علي المستويين الرسمي والشعبي ولكن تكرر الأمر في إطار عملية السلام والتسوية المصرية الإسرائيلية في فترة السبعينيات من القرن الماضي حيث تم طرح المشروع مرة أخري من خلال مهندس إسرائيلي يعرف ب اليشع كان يهدف لتوصيل1% من مياه نهر النيل الذي يصل عند أسوان والمقدرة بحوالي84 مليار متر مكعب أي أن إسرائيل كانت تريد840 مليون متر مكعب من المياه قد تصل إلي مليار متر مكعب ولكن هذه الفكرة أيضا تم رفضها من الجانب المصري ولكن حاليا فإن إسرائيل تلعب أدوارا غير مباشرة في دول حوض النيل عن طريق ايجاد علاقات مايسمي بالقوة الناعمة في مجالات الفنون والثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا وتقديم دعم من خلال خبرات واستشارات في الجانب الاستخباري والعسكري للتأثير علي الأمن القومي المصري والسوداني بشكل مباشر والأمن القومي العربي بشكل أوسع علي أساس تطويق الدول العربية وتحديدا الإفريقية منها وقد قمت بإجراء مقابلات مع بعض الإثيوبيين العاملين في تصميم وبناء الخزانات والسدود ولم ينكروا استعانتهم بالجانب الإسرائيلي في هذا الإطار ولكن دون أن تكون هناك شركات مقاولات إسرائيلية عاملة في بناء السدود كما هو الحال بالنسبة للصين وألمانيا والنرويج وايطاليا ولكن هذا لاينفي الوجود الإسرائيلي هناك بما يحقق لها حالة من التقارب مع هذه الدول تأتي بطبيعة الحال كخصم من الرصيد المصري في هذا الإطار. * وما تعليقك علي القول بأنه في ملف نهر النيل يقف القانون الدولي في صالح مصر في تفاوضها مع دول الحوض حيث حقها الأصيل كدولة مصب؟ ** لايجب أن نعول علي هذا الأمر ففي القضايا الدولية القانون وحده لايكفي وهنا تجب الإشارة إلي أن القانون الدولي عبارة عن نصوص براقة وجميلة لها قوة معينة لكن منطق الواقع حيث السياسة البراجماتية أو العملية له قانونه الخاص ودائما قانون القوة يغلب ويسمو علي قوة القانون وبالتالي فحتي إذا كان القانون الدولي بالفعل مع مصر وكل مبادئه تؤكد الحجج المصرية بلا استثناء بما في ذلك الحجة التي يستند إليها إخواننا في حوض النيل بتغير الظروف وزيادة عدد السكان فمردود عليه بأن هذه التغيرات أصابتنا مثلما أصابتهم ولذلك فلايجب التعويل علي القانون الدولي كثيرا والعمل بمنطق الواقع وحشد جميع الجهود وسلوك جميع السبل لتحقيق الهدف.