في الساعة الواحدة صباحا بعد يوم تكريم مصر بمهرجان كان. وقفت ومجموعة من الفنانين علي بداية الشاطئ الرملي الملاصق لصالة أجورا التي أقيم بها حفل العشاء الرسمي الذي غنت فيه فرقة وسط البلد. وقال المصريون إنه حفل العشاء الرسمي الخاص بمصر. لكن الدعوة التي وصلتني ووصلت آخرين مكتوب عليها( حفل القسم الرسمي) طبعا تجاهلني المسئولون المصريون عن توزيع الدعوات من الدعوة لانتقاداتي الكبيرة السياسية والفنية أيضا لطريقة وشكل وضيوف المشاركة المصرية في المهرجان. لكن ادارة المهرجان حادثتني تليفونيا وقامت هي نفسها بدعوتي. وسألت باسكال ماركيزي مسئولة البروتوكول بالمهرجان: هل هو حفل مصر؟ قالت لي لا, فمعلوماتها انه حفل القسم الرسمي للمهرجان فهل بعد الاعتراضات الكثيرة التي أعلنها الكثيرون ألغي مهرجان كان العشاء الرسمي باسم مصر كما أعلن في بيانه الأول وصنع بدلا منه حفلا آخر؟ علي أرض الواقع كان الحفل هو حفل مصر بعد تغيير الاسم أغلب الحاضرين هم المصريون أو أصدقاؤهم الأجانب. أما أصحاب الأفلام الأخري في القسم الرسمي فلم يحضروا ولا أية شخصيات معروفة أو أحد من العرب طبعا أول فضيحة في غياب المهمين عن حفلنا في الأيام التي سبق الحفل اشتكي لي أصدقاء من بلدان عربية, منهم شخصيات رفيعة بحق, من تجاهلهم من دعوة حضور الحفل من قبل السيدة ماجدة واصف مسئولة المشاركة المصرية بالمهرجان, وهي التي سببت الكثير من المشاكل بسوء تصرفاتها في هذا الموضوع من بدايته. عن نفسي ذهبت للحفل وأنا شبه متيقن أنه( حفل القسم الرسمي للمهرجان) ولو كان حفل مصر لذهبت أيضا رغم أنني اعلنت مقاطعتي لعرض فيلم(18 يوم) بالمهرجان لأسبابي السياسية بل الفنية التي ذكرت في تقرير نشر في( المسائي) منذ أكثر من اسبوعين. وبعدما تحادثت مع الفنان عمرو واكد الذي قاطع أيضا عرض(18 يوم) لنفس الأسباب, اتفقنا ان زيارة جناح مصر بسوق المهرجان الذي تقيمه وزارة السياحة المصرية, وحفل مصر الذي ادارته سوق المهرجان, يختلف عن مقاطعة فيلم(18 يوم) الذي نأخذ موقفا سياسيا واضحا لا لبس فيه من منتجه الشاب مروان حامد, ومن بعض صانعيه كشريف عرفة, وبعض ممثليه مثل يسرا, وكانوا من أهم داعمي النظام السابق والمروجين له ومخرجي حملاته التليفزيونية. وكذلك قاطع الاحتفالية السفير المصري بباريس وخالد النبوي وواكد اللذان حضرا المهرجان, ولم يحضرا الفيلم, ولم يصعدا السجادة الحمراء التي احتلتها يسرا, وبعض صغار الممثلين مثل محمد كريم. عودة لمشهد بداية المقال علي البحر في الحفل, فكان الحوار يدور عن المستوي الفني لفيلم(18 يوم) والانطباعات عنه, كنت طوال الساعة التي سبقتها قد سألت ما لا يقل عن عشرين شخصا منهم الفنانة مني زكي والناقدان طارق الشناوي وياسر محب والمذيعة انجي أنور وعدد من العاملين بالفيلم بالإضافة لنقاد عرب كبار منهم انتشال التميمي مسئول البرنامج العربي في مهرجان أبوظبي, كما استطلعت آراء بعض التقنيين العاملين في الفيلم من مديري التصوير, واجمعوا علي أن الأفلام العشرة القصيرة التي تكون منها فيلم(18 يوم) ليسا إلا فيلمان جيدان, هما( سبرتو) لأحمد علاء و(خلقة ربنا) لبلال فضل وكاملة أبوذكري, والباقي دون المتوسط وهناك اجماع علي أن أسوأ الأفلام هو( احتباس) لشريف عرفة يليه(19 19) لمروان حامد, وهذا ليس مبالغة مرتبطة بالاعتراض عليهما منذ البداية, لكنها آراء مشاهدي الفيلم. وبينما نحن علي البحر نتحادث عن الموضوع بهدوء اقترب منا المخرج سامح عبدالعزيز( مخرج فيلمي الفرح وكباريه) وفيلم( صرخة نملة) الذي يعرضه المهرجان أيضا في التكريم, وقد اشتعل غضبا وبدأ يصرخ بكل معني الكلمة( اللي أنا شفته النهاردة دا, دا بيزنس عالي. فيلم18 يوم دا مش سينما دا تظبيط عالي قوي مع فرنسا وأوروبا. لكن دي مش مصر اللي في الفيلم ولا دي السينما المصرية. أنا رعلان قوي علي مصر وان دي تكون الأفلام اللي بتعبر عنها. فين الثورة في الأفلام دي. فين الناس اللي ماتت في الثورة. فين روح مصر. مين سرقها في الفيلم دا؟) كنا نحاول أن نهدئ من روع سامح أنا والفنانون رانيا يوسف وعمرو عبدالجليل وخالد بو النجا والسيناريست طارق عبدالجليل ومدير التصوير أحمد يوسف والمستشار الثقافي المصري بباريس, لكننا خلال ساعة كاملة لم نستطع ايقاف طوفان الصراحة الذي انطلق علي لسانه, واعتقد أنه الحق, وأنا اعتقدت ذلك معه أيضا. منذ البداية وأنا لا ارتاح لتجرية فيلم انتاج فيلم(18 يوم) وبقدر ما أنا متيقن من النية النقية والحماسة النظيفة لأغلب الفنيين بالفيلم وبعض ممثليه كالمونتيرة مني ربيع ومدير التصوير أحمد المرسي والممثلين عمرو واكد ومني زكي والكثير الكثير غيرهم, فإنني لم أكن واثقا من الدوافع النبيلة لمبادرة مروان حامد في انتاج الفيلم ليس لانحياز مروان للنظام السابق, ولكني لأنني لم أر مروان ينحاز لأية أنشطة أو أبعاد فنية أو ثقافية من قبل. انه مجرد شاب يتمتع ببعض الموهبة في الاخراج وبرغبة محمومة فقط في النجاح, ليس صاحب فكر عظيم أو صاحب هم ظاهر ومسبق بالشأن العام. فليس هو الذي أثق في نواياه عندما ينتج هذا الفيلم الجماعي عن الثورة, حتي لو شارك هو فيها. ونفس الرأي ينطبق علي يسري نصر الله الذي شاركه مبادرة دعوة الفنانين للمشاركة في فيلم(18 يوم) فهو بالنسبة لي مخرج مهم, وإنسان احترمه لكن آراءه دائما متأثرة بأهوائه الشخصية, وليست موضوعية بالقدر الكافي. وهو الذي جاء بيسرا للعمل في الجزء الخاص به من هذا الفيلم وكان الأولي به أن يجيء بأحد ليس محل جدال من الثورة. أري أن مروان ويسري خدعا أغلب المشاركين في الفيلم, واستغلا حماسهم الكبير للثورة وورطوهم في عمل مسلوق غير ناضج متهافت فنيا, كما أجمع الناس علي وصفه وكانت النتيجة ان الفيلم لم يعط أية صورة جيدة لا عن الثورة المصرية, ولا السينما المصرية. ولا أري اعلان شركة مروان حامد المنتجة للفيلم ان الايرادات المزمعة له ستوجه إلي أهالي الضحايا أو لحملات توعية سياسية بالأرياف الا ضربا من المزايدة المقيتة. فما حاجتنا نحن كمصريين بمعرفة ذلك. وهل سنراقب حسابات الشركة لنتأكد ولماذا تحاولون التأكيد أن ما تفعلونه نقي رغم أن رائحته تزكم الأنوف. إن عملية صناعة فيلم18 يوم واختياره بمهرجان كان درس كبير لابد ان نتوقف عنده: خداع باسم الثورة. استغلال لحماس فنانين, جلب فنانين لغسل سمعتهم. ركوب الموجة الجديدة, والاقتتال لتصدر المشهد من أصحاب النظام السابق. أو كما قالت لي مديرة قسم السينما بمنظمة الفرانكفونية( عملية اعادة العذرية) إننا جميعا نحلم بتنظيف هذا الوطن ممن أفسدوه ونحن أيضا ضد أن يخون بعضنا البعض, أو أن ننصب المحاكم لكننا نقول لمن يكررون ما فعلوه في الأزمة السابقة من خداع براق وادعاء النقاء رغم ظهور النوايا: توقفوا وتغيروا فقد تغير الزمن.. ألا تفيقون؟ لن تكون مصر( بيزنسكم) الخاص الشهي. ابتعدوا عنها. أما ماجدةواصف التي اختارها مهرجان كان لاختيار الأفلام المصرية المشاركة في التكريم واختيار الفنانين المشاركين, بل اختيار ضيوف الحفل. طبعا من يوكل له أمر كهذا لابد أن يتحلي بمسئولية اخلاقية فوق العادة تجعله يصنع مايشرف ويتجاهل ما يشين ويبعد أية جدل محتمل في مناسبة مهمة كهذه, لكن نتحدث عن سيدة تنتفض غضبا من مجرد حوار عادي ورد به ما يعارض رأيها, وغالبا ما يتحكم مزاجها الشخصي أو مصالحها في اختياراتها. وطوال مسئولياتها عن مهرجان السينما العربية بباريس لأكثر من15 عاما كان دينها وديدنها حب هذا الشخص وكره ذاك ولهذه السيدة ابنة شابة هي ميريت ميخائيل جعلتها معها عند تكريم مصر تتحكم وتنهي وتأمر وتدعو ذاك وتتجاهل الآخر. أضف إلي كل ذلك المأساة التي صنعها وزير الثقافة الذي اعتذر عن عدم حضور تكريم مصر بالمهرجان, وأناب عنه خالد عبدالجليل رئيس المركز القومي للسينما. هذا الاخير الذي كان من أساطين أمانة العضوية بالحزب الوطني ومن أوائل من خرجوا في مظاهرات مصطفي محمود المهاجمة للثورة حتي إن42 فنانا من المركز القومي للسينما منهم السيناريست زينب عزيز و55 سينمائيا منهم داود عبدالسيد ومحمد خان وقعوا بيانين للمطالبة برحيل عبدالجليل عن منصبه ومحاسبته, فكيف يجيء عماد أبو غازي ليختاره ممثلا رسميا لمصر في احتفالية كان؟!. السنا بالفعل أمامنا طريق طويل لتنظيف البيت؟ ماذا أنتم فاعلون أيها الثوار في ملف الثقافة والسينما في مصر؟