لن يكون حادث تدمير كنيسة مارمينا الذي راح ضحيته12 قتيلا و200 مصاب الأخير من نوعه, فقد شهدت السنوات الأخيرة تكرار نفس المشهد ولكن بصورة مختلفة, حيث سبقت ذلك أحداث كنيسة صول بأطفيح في مارس الماضي ونفس المشهد تكرر في أحداث تفجيرات كنيسة القديسين في يناير2011 أثناء احتفال الأقباط بعيدهم, الأمر لم يختلف كثيرا في الأحداث السابقة وفي الهجمات المتكررة علي الكنائس المصرية, حيث تكرر نفس المشهد في كنيسة القديس سمعان الخراز بالمقطم وسيناريوهات تفجيرات الكنائس تمتد لأكثر من40 عاما وبالتحديد في عام1970 وفي كل مرة يكتفي المسئولون في الحكومات البائدة بإلقاء المسئولية علي مجموعة الخارجين عن القانون والمندسين من الخارج. وعلي الرغم من أن رجالات النظام السابق كانت لهم الكلمة العليا في أحداث هذه الفتن لأسباب غير معلومة لم يطلع عليها إلا بعض المقربين من صناعة القرار وفي كل مرة يكتفي الإعلام المصري ببث اللقطات الحية والاحتفال بتقبيل الشيخ والقسيس لبعضهما البعض, متجاهلين بذلك خطورة ما كانت تتعرض له مصر وما ينتج عن هذه الخطورة في المستقبل وهو ما يحدث الآن علي أرض الواقع. إثارة الفتن في البداية يقول الدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناةالسويس ان الفتنة الطائفية ظهرت في مصر منذ زمن طويل خاصة عندما بدأ يوجد ما يسمي مجالات التمييز بين المسلمين والمسيحيين في أحداث الجماعات الإسلامية وأصبح هناك تمييز بين الفتاة المسلمة والمسيحية عن طريق غطاء الرأس, الأمر الذي جعل المسيحيين يشعرون بأنهم أقلية في المجتمع لا يحصلون علي حقوقهم التي يكفلها لهم الدستور وبالتالي بدأت تظهر فكرة الصراع الطائفي بين الحق والحصول عليه. ويوضح أنه توجد قوي خارجية كثيرة ساعدت علي دعم هذه التوجه وإذكاء روح الفتنة بين عنصري الأمة إنطلاقا من حالة الإحتقان السياسي التي مرت بها مصر منذ فترة السبعينيات والثمانينيات إلي الآن ثم حالة الفقر الاجتماعي الذي يعاني منه المجتمع والذي تقوم بعض الطوائف باستغلاله لخدمة أغراضها وأهدافها بالإضافة إلي الفقر الثقافي والجهل الديني كل هذه الأمور تدور حول أشكال الدين ومظاهره دون الاهتمام بجوهر الدين وعلاقاته فالمسيحيون يحصرون قضاياهم في بناء الكنائس والتمثيل للبرلمان والتعيين في الوظائف العامة, والمسلمون يتخذون من الأغلبية قوة قهرية لفرض رأيهم علي الآخر وينتهجون في ذلك سياسة إثارة الفتن والقلاقل سواء تحت دعوة الجهاد أو الفكر السياسي والتطرف الديني. ويقول د. أحمد يحيي: في الفترة الأخيرة لم تكن هناك قضايا حاسمة سواء الفتنة الطائفية حول كاميليا ووفاء قسطنطين أو عبير الأخيرة, مشيرا إلي أنها قضايا تافهة وعند اهتمام جماعة سياسية أو دينية بها فهي تسير إلي ما يعرف بالغباء السياسي والهيافة السلوكية, كما أن القضية ليست قضية كاميليا أو بناء كنيسة أو حماية المساجد من النصاري أو حماية الكنائس من المسلمين بل إنها أعمق من هذا وهي كيف تمارس الحرية خاصة وأننا شعب نتكلم عن الحرية باللسان ولا نطبق ممارستها في الواقع بالإضافة إلي أننا نطالب بالديمقراطية ونحجر علي الاقليات حقهم في الحصول عليها. ويصف كل هذا بأ نه خلل طبيعي للانتقال من حالة استمرت أكثر من60 عاما إلي جالة جديدة مازالت غامضة الملامح والاتجاهات مطالبا بتطبيق القانون لأنه الفيصل بين الجميع دون إستثناء لفئة علي أخري ودون مجاملات حتي تصبح قوة القانون هي سيف الحق لمواجهة البلطجة الدينية والسياسية والثقافية في المجتمع حتي لا تتحول الثورة من الشرعية الثورية إلي الشرعية البلطجية باسم الدين أو بأي أسم آخر. جذور تاريخية ويقول الدكتور عبدالحميد زيد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم إن الفتنة الطائفية حقيقة ولها جذور تاريخية تمتد إلي عشرات السنين في القرن الماضي حيث بدأ استخدامها كأحد الآليات للضغط علي المجتمع ويقول إنها بدأت عندما حاول الرئيس الراحل أنور السادات استخدام الجماعات الإسلامية أو التيار الديني الأصولي لمحاربة القوي السياسية مثل الشيوعيين والنصرانيين والتجمع اليساري بصفة عامة فأطلق لهم حرية العمل في الجامعات المصرية ومن هنا أزدهرت الحركات الإلامية المختلفة وكان للدعم الخارجي من دول الخليج لهذه الجماعات اثره في انتشارها بهذه السرعة كما أن نظام الحكم السابق للرئيس مبارك قام باستخدام نفس الطريقة ولكن بصيغات مختلفة بهدف البقاء في الحكم واسقرار نفوذه. ويري أن هناك أطرافا مستفيدة مما يحدث ممثلة في جماعات دينية ترغب في تعظيم دورها المستقبلي أو قيادات أو جماعات أمنية خرجت من الخدمة وترغب في عدم استقرار المجتمع أو قد يكون من المتعصبين أو المتطرفين المسيحيين الذين يطالبون بتحقيق مطالبهم من عقود ماضية. تغيير القيادات ويقول اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني والاستراتيجي ورئيس مركز الجمهورية للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية أنها ليست وليدة اليوم ولكن لها جذور قديمة خاصة وأنها ظهرت بشكل متتالي خلال الفترة الاخيرة في أ حداث ملفتة للنظر حيث ظهر الاهتمام بمن يستسلم ومن ينتصر وأيضا الاعتداء علي دور العبادة بشكل مستمر مثلما حدث في كنيسة القديسين وبعض المناوشات بين المسلمين والأقباط في منشية ناصر وأطفيح فكل هذه العمليات والظواهر تؤجج الفتنة الطائفية وتشعل التطرف وتؤثر علي العلاقة بين المسلمين والأقباط في ذولة واحدة. ويقول أن اتهام السلفيين في ارتكاب هذه الجرائم جاء نتيجة لبعض الأحداث التي تمت وظهروا فيها بشكل يوحي بأن التقويم باليد هو السبيل لتحقيق الأهداف خاصة وأن ذلك ظهر بوضوح في حادثة قطع أذن مواطن مسيحي بالإضافة إلي الشكل الإعلامي الذي يظهر به بعض قادة السلفيين في الوسائل الإعلامية المختلفة التي يؤكدون فيها مفهوم تقويم المجتمع بالشكل الذي يرغبونه. ويطالب بضرورة تغيير قيادات الدين الإسلامي واالدين لمسيحي لهجة الدعوة عن طريق توجيه الرأي العام بشكل مختلف عن الماضي وأن يقوم الإعلام بدوره دون إثارة أو تشدد وسرد الحقائق مجردة دون توجيه معين أو تحليل يوحي بمعان مختلفة ويصرف الرأي العام في اتجاهات غير مطمئنة بالإضافة إلي تطبيق القانون علي الجميع مع تغليظ العقوبة علي مشعل الفتنة وضرورة تشديد الاجراءات الأمنية علي دور العبادة وأماكن التجمعات الدينية لحمايتها من أي مخاطر خارجية. حوار مجتمعي ويري اللواء فؤاد علام الخبير الأمني أنه لابد من اقامة حوار مجتمعي لمناقشة جميع القضايا بوضوح وشفافية نظرا لاعتقاد أو تصور المسيحيين بوجود تقاعس من قبل الدولة في مواجهة الجرائم التي يتعرضون لها. ويطالب بضرورة إنشاء هيئة عليا يمثل فيها عقلاء الأمة من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية وعلماء النفس والأقباط والمسلمون وإصدار قرار من هذه الهيئة يلزم كل الأطراف والسلطة التنفيذية بالمسئولية الكاملة بالإضافة إلي إعادة النصح والارشاد المتبع من قبل وأن يقوم جهاز الأمن الوطني بدوره في أسرع وقت ممكن لجمع معلومات عن هذه الجماعات والتوجهات الخاطئة التي تنتهجها لكشفها والتصدي لها. حماية المواطنة ويقول لبيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان ان الدولة لم تهتم بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين خاصة في ظل عهد الرئيس السابق حسني مبارك, حيث لم يكن للأقباط أي دور في الحياة السياسية, بالإضافة إلي إستبعادهم من الوظائف العليا وبالتالي ظهر في مصر مناخ استعلاء الأغلبية علي الأقلية وأصبح مبدأ قبول الآخر مجرد شعار والوحدة الوطنية عبارة عن مجموعة من الشعارات خالية من المضمون فظهر التمييز بين المسلمين والمسيحيين في مصر وأصبح التعامل يتم عن طريق الهوية الدينية وليس علي أساس الكفاءة وبالتالي لم تعد هناك تشريعات فعالة لحماية المواطنة, الأمر الذي أدي إلي زيادة الاحتقانات بين المسلمين والمسيحيين خاصة في ظل المعالجات الأمنية الخاطئة لتلك المسائل الدينية الشديدة الحساسية. ويقول إنه بعد ثورة25 يناير ظهرت تيارات سلفية متشددة لا تقبل أقباطا سوي دافعي جزية أو مجموعة من الرعايا وليسوا كمواطنين حيث بدأت هذه التيارات في فرض تطبيق الحدود كما هو الحال عند قطع أذن قبطي وعدم قبول محافظ قبطي في قنا علي أساس الهوية الدينية بالإضافة إلي هدم كنيسة أطفيح وحرق كنيسة العذراء بإمبابة وقتل أ كثر من6 من الأقباط و جرح150 مصاب الأمر الذي جعل الأقباط يرددون عبارات مهمة هل نحن بحق مواطنون أم رعايا. عدوان علي الدولة ويقول الدكتور عبدالمنعم المشاط أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: لا توجد فتنة طائفية في مصر وإنما يوجد عدوان علي الدولة المصرية من جانب المتطرفين والفاسدين والمتعاونين مع جهات خارجية ممثلة في الدول العربية الديكتاتورية المماثلة للنظام السياسي المصري السابق وإسرائيل وإيران وبقية الدول التي لا تقبل إقامة دولة قوية في مصر ويري أن علاج هذه الأحداث ليس عن طريق بيت العائلة أو بالجلسات الودية والعرفية وإنما بالتعامل الفاعل بين هذه الأطراف والتطبيق الحرفي للقانون بالإضافة إلي عدم مغازلة أي قوي سياسية أو دينية في الداخل لأن هذا الغزل يعكس ضعفا للدولة خاصة وأن فلول السلفيين ومتطرفي الكنيسة يهددون الأمن القومي لمصر.