واستكمالا فإن الحضارة المعاصرة.. بسطوتها المعرفية.. تطرح العديد من الاستدلالات علي كونها قد تم توظيفها كأيديولوجية استعمارية خلال آليات ومنظومات عديدة.. منها تكنولوجية التعمية التي تعد أبرز التكنولوجيات المحظورة علي الآخر.. نظرا لما تنطوي عليه من أسرار.. وكذلك التدخل الفعال لسرعة الضوء واستخدام الأشعة غير المرئية التي تطلق عبر القارات والمحيطات.. وأيضا الحاسبات الفائقة ذات المليار عملية في الثانية لاتخاذ قرار تحطيم الخصم.. إلي غير ذلك من إرهاب الفضاء المعلوماتي. هذا هو الرصيد الخطر للثورة المعرفية المؤذنة بالدمار الوشيك.. الذي سيودي بالكوكب الأرضي إلي عصور ما قبل التاريخ.. وينسف مسيرة الحضارة الإنسانية في لحظات سراع.. لأنها الحضارة الوحيدة التي صارت ضحية انجازاتها الجبارة!!.. فهل يكمن جوهر القضية في وجود الحضارة ذاتها.. أم في منجزاتها التدميرية؟.. أم تقنين استخدام تلك المنجزات؟.. إنها المعركة الضارية التي يجب أن يخوض العقل المعاصر غمار تفصيلاتها في حزم وعزم ومصداقية.. معلنا صحوته للتواجه مع قرن التعقيد بآليات فوق معرفية.. تبدأ بمهارات تنظيم الطاقة الذهنية والتوظيف الأقصي لموارد الذاكرة.. وطرائق المقارنة والبدائل.. وتجديد مهارات الاستدلال معلوماتيا وإحصائيا.. فالعقل الذي أشبع ذاته وأغرقها بتطلعاته وطموحاته المادية.. أصبح في المقابل في مسيس الحاجة لإشباع تطلعاته الإنسانية بكل ما تحمله من معان سامية وقيم رفيعة.. لأن بشريتنا هي ملاذنا الأخير.. وإنسانيتنا هي أثمن رأس مال. ورغم ما يشاع من إبهارات الثورة المعرفية.. فإن العقل الكامن وراءها لا بد من تقييمه بإخضاعه لهرم بلوم قياسا لمهارات التفكير.. وهو في ذلك نراه لم يتجاوز المراحل الأولي من المعرفة.. الفهم.. التطبيق.. إلي الثلاثة الأخري.. من التحليل.. والتركيب.. والتقييم.. الذي يستدعي وقفة طويلة يستبين فيها الدلالات القاطعة لكلمات.. أين.. متي.. كيف.. لماذا.. ما... بعدها نوقن أن المعرفة الحقة هي حالة إنسانية قبل أي شيء.. حالة تتمثل مفرداتها في الحرية.. والعدالة.. والكرامة الإنسانية التي يجب أن تتعزز مع كل تقدم تقني ليظل معبد الحكمة قابعا في بؤرة العقل المعاصر يعصمه من ذاته!