عاش ملكا متوجا علي عرش وزارة الداخلية13 سنة ليصبح أطول وزراء الداخلية في تاريخ مصر في الفترة بين1997 وفبراير2011 قبل أن يقف خلف القضبان في سجن طرة مع مساعديه حسن عبد الرحمن وأحمد رمزي وإسماعيل الشاعر وعدلي فايد حيث يواجه عدة تهم منها قتل المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي عليهم والتربح من مهام منصبه وغسل الأموال. العادلي من مواليد أول مارس1938 لأسرة مصرية متوسطة والده كان مدرسا بالتربية والتعليم, وأمضي طفولته وصباه وشبابه الأول في شارع سليمان جوهر بالدقي, لم يحلم قط وهو ينتظم في طابور عرض التخرج في كلية الشرطة دفعة يناير عام1962 أنه يمكن أن يصبح مديرا لمباحث أمن الدولة, أو وزيرا للداخلية, كان منطويا, منعزلا إلي حد كبير عن زملائه, وتخلف في بعض المواد في السنة النهائية, فتأخر تخرجه ستة أشهر إلي دور يناير, ولم يكن تخلفه له أي تأثير علي حياته العملية, فالداخلية تفصل في التقدير بين عالم الدراسة وعالم الممارسة. انضم إلي المباحث العامة في عام1965, أي بعد تخرجه بثلات سنوات ونصف السنة, عمل خلالها في الأمن العام, والمباحث العامة هي الاسم القديم لمباحث أمن الدولة. التحق العادلي ضابطا في المباحث العامة, بالقسم العربي, وهو القسم الذي يتابع نشاط السياسيين واللاجئين والطلبة العرب في مصر, وأيضا يلاحق نشاط المصريين في الدول العربية, النشاط المعادي للحكومة, سواء من تنظيمات سرية هاربة أو أفراد معارضين علنيين أو ممولين في الخفاء لأنشطة داخلية عن طريق التحويلات المالية. وعمل العادلي بهذا القسم17 عاما متواصلا,ثم سافر إلي الكويت دبلوماسيا في السفارة المصرية هناك لمدة ثلاث سنوات ثم عاد مرة أخري في النصف الثاني من الثمانينيات إلي جهاز أمن الدولة بالقسم العربي حتي أصبح رئيسه. في صيف1993, كان اللواء مصطفي عبد القادر يشغل منصب رئيس مباحث أمن الدولة, وحبيب العادلي الرجل الرابع أو الخامس في الجهاز حسب الأقدميات, وجاء علي العادلي الدور ليرقي إلي منصب مساعد وزير الداخلية! لم تكن له درجة في الجهاز ولم يكن أمامه فرصه للصعود أبعد من نائب المدير, ولكن لم يكن مقبولا أن يخرج ضابط أمن الدولة صاحب الشنة والرنة من الجهاز رأسا إلي المعاش قبل سن الستين, فهذا ينتقص من الهيبة والمكانة والسمعة أمام مؤسسات الدولة والعامة معا, فكان من التقاليد المرعية بصرامة أن يترقي إلي وظيفة أمنية أعلي في المسمي قبل خروجه من الخدمة! كان اللواء حسن الألفي وقتها قد ترك منصبه محافظا لأسيوط وتولي وزارة الداخلية في ابريل1993 خلفا لشيخ العرب اللواء محمد عبد الحليم موسي, وفي أول حركة تنقلات للشرطة خرج حبيب العادلي مساعدا للوزير مديرا لمنطقة القناة وسيناء, وظيفة إشرافية بلا مضمون. كان يمكن أن تصل رحلة الضابط حبيب إبراهيم العادلي إلي محطتها النهائية في منطقة سيناء حتي بلوغه سن المعاش في1998 لكنه صعد الي جهاز مباحث امن الدولة بدلا من اللواء مصطفي عبد القادر الذي تمت ترقيته مساعد أول وزير الداخلية للأمن الاقتصادي. وحاولت شلة الوزير حسن الالفي في ذلك الوقت الاطاحة به لكن كان التخلص منه مسألة صعبة جدا, فالعادلي له ظهر يحميه هو رئيس الجمهورية, الذي يؤمن بكفاءته ويقدره ويثق فيه, وقد تعاظمت ثقة الرئيس فيه بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها حسني مبارك في يونيو1995 بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا. كان الرئيس قد عقد اجتماعا قبل الزيارة مع قيادات الأجهزة السيادية في الدولة, وطلب أحمد العادلي من الرئيس أن يصطحب معه سيارته المصفحة وحراسة مشددة مسلحة لا تسلم أسلحتها للأمن الأثيوبي مهما حدث. وسأله الرئيس عن السبب, فقال له إن لديه معلومات شبه مؤكدة أن ثمة مؤامرة لاغتياله هناك من الجماعات المتطرفة. وهي نفس المعلومات التي أوردتها أجهزة معلومات أخري, ونصحت بالسيارة المصفحة.. وحدث ما تنبأ به العادلي, فصار أيقونة الأمان لحياة الرئيس ومحاوره في مكالمات تليفونية طويلة..فمن الذي يستطيع أن يزيح أيقونة الأمان من مكانها؟! وبعد فشل محاولة اغتيال الرئيس مبارك بأربعة أشهر فقط, وجد حبيب العادلي نفسه مديرا لأمن القاهرة( العاصمة), من الوظائف الحلم لأي ضابط.. جلس حبيب العادلي سنة وتسعة أشهر و13 يوما مديرا لمباحث أمن الدولة, قبل أن ينتقل إلي منصب وزير الداخلية, وقد يكون هو أول ضابط شرطة في تاريخ مصر يترقي ثلاث مرات في عامين. مديرا لأمن القاهرة في أكتوبر1995, ثم لأمن الدولة في فبراير1996 ثم وزيرا في نوفمبر1997! معجزة يصعب أن تتكرر, أو مصادفة لا تحدث إلا في مصر المغدورة التي لا يختار لها سوي أنصاف الكفاءات في المناصب الرفيعة, علي طريقة الجاسوس الأمريكي في الاتحاد السوفيتي السابق.. وجاءت لحظة الانقضاض علي منصب وزير الداخلية في حادث الأقصر سنة1997 حيث أن أرهابيين من الجماعات الإسلامية المسلحة في معبد حتشبسوت في البر الغربي هاجموا مجموعة من السياح بوحشية, فسقط58 سائحا و4 مصريين. وبات السؤال الملح: كيف حدث هذا؟!, وأين أمن الدولة؟!, وماذا يفعل وزير الداخلية؟! من ردود الأفعال العالمية وجسامة الحادث انتقل الرئيس السابق حسني مبارك إلي مدينة الأقصر- ومعه رئيس الوزراء كمال الجنزوري ووزير الداخلية اللواء حسن الالفي واللواء رضا عبد العزيز مساعد أول الوزير للأمن يتفقد المكان علي أرض الواقع ويعرف من أين جاء التقصير الأمني.. في أثناء الارتباك الذي صاحب ساعات الجريمة الأولي وقبل رحلة الرئيس إلي الأقصر هرع حبيب العادلي إلي صديقه طلعت حماد وزير شئون مجلس الوزراء السابق وأطلعه علي خطاب يبين أن مباحث أمن الدولة كانت لديها معلومات عن الحادث, وأبلغت به وزير الداخلية, لكنه لم يحرك ساكنا. ونقل طلعت حماد المعلومات إلي رئيس الوزراء في حينها الدكتور كمال الجنزوري واثناء تفقد الرئيس المكان أطلق عشرات التساؤلات, فأفضي له كمال الجنزوري بالمعلومات الخطيرة التي وصلته. ومن سوء حظ حسن الالفي أن وزير إعلامه ومتحدثه الرسمي اللواء رءوف المناوي لم يكن حاضرا, والألفي معروف عنه قلة الكلام ولو كان المناوي موجودا لصرح علي الفور بأن الوزير أقال رئيس مباحث أمن الدولة, وقد فعل المناوي شيئا مشابها في حادث فندق أوروبا الإرهابي في الهرم قبلها بأكثر من سنة, حين تفقد مكان الحادث وأعلن قرار الوزير بإقالة مدير أمن الجيزة, قبل أن يتخذ الوزير هذا القرار أو بالتحديد دون الرجوع إليه. علم الرئيس بالأمر, وأثناء صعوده والوفد المرافق الطائرة متجها إلي البحر الأحمر, وكان حسن الالفي يهم علي درجات السلم, فأمر الرئيس بإنزاله وتعيين رئيس مباحث أمن الدولة وزيرا للداخلية مكافأة له علي المعلومات الواردة في الخطاب أو التقرير إياه, وخروجا من دائرة وزراء الداخلية القادمين من إدارة الحكم المحلي محافظين مثل زكي بدر ومحمد عبد الحليم موسي, ولماذا لا نجرب وزيرا من مهنة الأمن مباشرة. وقعت المفاجأة علي الرءوس كالصاعقة لان مسئولية التقصير تقع علي كاهل أمن الدولة, فهو جهاز المعلومات( الصنايعي أو الحرفي في الميدان), بينما الوزير مهمته إشرافية. ذهب الوزير حبيب العادلي إلي مكتبه في لاظوغلي, وهو يحمل قرار الإطاحة بالشلة, التي فكرت فيه وجاءت به من منطقة سيناء البعيدة إلي القاهرة لتلميعه أولا ثم تنصيبه في أمن الدولة! فتح حبيب العادلي صفحة جديدة في وزارة الداخلية, تولي عرشها, وهو يدرك تماما كيف وصل إليه, وهي خبرة هائلة رسمت أمامه كل الخطوط التي سار عليها لأكثر من13 عاما, ليكون أطول وزراء الداخلية عمرا