قد يعجب كثير من الناس من بعض المتحولين عن مواقفهم, وتكون الصدمة كبيرة إذا كان هذا التحول في مجال الفكر أو الدين, فيصدم الناس أشد الصدمة عندما يجدون منظرا فكريا ملء السمع والبصر ينقلب فيتغير180 درجة كما يقولون ويصبح عدوا حتي لمريديه, وفي أمور الدين الصدمة تكون أشد عندما تجد عالما او داعية تسير الناس وراء أفكاره بالآلاف فتجده فجأة تحول ليكون مفتي ضلال وداعية سوء بل وآمرا بالمنكر ومشجعا علي الموبقات وانتهاك المحرمات, وعندما ننظر في تفسير قوله تعالي في سورة الأعراف واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين(175) نجد كثيرا من المفسرين يذكر أنها في عالم كبير وحبر من أحبار بني إسرائيل اسمه برهام بن باعوراء فقد ذكر عبد الرزاق ومالك بن دينار وسفيان بن عيينة وشعبة والسدي وعلي بن أبي طلحة وغيرهم عن ابن عباس: هو رجل من مدينة الجبارين, يقال له: بلعام وكان يعلم اسم الله الأكبر وذكر ابن عباس: لما نزل موسي بهم يعني بالجبارين ومن معه, أتاه يعني بلعام بنو عمه وقومه, فقالوا:إن موسي رجل حديد, ومعه جنود كثيرة, وإنه إن يظهر علينا يهلكنا, فادع الله أن يرد عنا موسي ومن معه. قال:إني إن دعوت الله أن يرد موسي ومن معه, ذهبت دنياي وآخرتي. فلم يزالوا به حتي دعا عليهم, فسلخه الله ما كان عليه, فذلك قوله تعالي:فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوينفقال لهم:قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة, ولم يبق إلا المكر والحيلة, فسأمكر لكم وأحتال, جملوا النساء وأعطوهن السلع, ثم أرسلوهن إلي العسكر يبعنها فيه, ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها, فإنهم إن زني رجل منهم واحد كفيتموهم, ففعلوا. فلما دخل النساء العسكر, مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كسبي ابنة صور, برجل من عظماء بني إسرائيل, وهو زمري بن شلوم,فقام إليها, فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها, ثم أقبل بها حتي وقف بها علي موسي عليه السلام, فقال: إني أظنك ستقول هذا حرام عليك؟ قال:أجل, هي حرام عليك, لا تقربها. قال: فوالله لا نطيعك في هذا. ثم دخل بها قبته فوقع عليها. وأرسل الله, عز وجل, الطاعون في بني إسرائيل, وكان فنحاص, صاحب أمر موسي, وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع, فجاء والطاعون يجوس في بني إسرائيل, فأخبر الخبر, فأخذ حربته, وكانت من حديد كلها, ثم دخل القبة, فانتظمهما بحربته, ثم خرج بهما رافعهما إلي السماء, والحربة قد أخذها بذراعه وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك. ورفع الطاعون, وهكذا خلاصة قصة برهام هذا أنه كان رجلا علي علم بل وتقوي بدليل أنه عرف اسم الله الأعظم وكان مستجاب الدعوة ولكنه فتن في دينه طمعا في منصب ومنزلة بين قومهفتخلي عن مبادئه ودعا إلي إهلاك الصالحين بل عمل علي فتنتهم, وياللعجب عندما تري الذي كان رجل دين منذ أيام إذا به ينقلب إلي ديوث فيفتي بافتتن الصالحين بالنساء, ولعلنا نري كثيرا من البلعاميين فلا نعجب ونعلم انها فتنة تقلب القلوب وليس لنا إلا أن ندعو الله أن يثبت قلوبنا وأن يختم لنا بالصالحات فقد كان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها, وخير أعمارنا أواخرها.