مما لا شك فيه أن النحو العربي الآن يعاني الأمرين من ظلم أبنائه له وتجاهلهم لشأنه العظيم ودوره الخطير في حياة الأمة علي الإطلاق بل نستطيع القول إن الأمر وصل إلي درجة بغض الأبناء له ولدراسته بغضا غريبا مريبا في نفس الوقت فمن المفترض أن شباب أي أمة يعتزون بلغتهم وقواعدها المصححة لهذا اللغة ففي الوقت الذي نجد الشباب الألماني علي سبيل المثال لا الحصر يأبي أن تحدثه بلغة غير الألمانية مادمت ضيفا في بلاده نجد كثيرا من شبابنا يتباهي بخليط غريب من اللغات التي يتحدث بها, وأذكر عبارة يسمعها كثير من الأساتذة ولا يبالون بخطورة دلالتها رغم ما تتضمنه من خطورة فتسمع الطالبة تقول لأستاذها شاكرة له مرسيه يا مستر ففي هذه العبارة ذات الكلمات الثلاثة نجد ثلاث لغات وهي الفرنسية والعربية فما هذا التغريب الذي تعرض له شبابنا وانساقوا إليه عميانا حتي وصلنا إلي هذا المستوي. ومما لا شك فيه أن الأمر وليد تراكمات كثيرة مرت في سنوات عديدة حتي انحدرنا إلي هذا المستوي, ولا يتسع المجال الآن لذكركم المحاولات والتدابير التي وضعت لإبعاد الشاب عن لغته وتنفيرهم فيها, ولكننا نريد الآن الخروج من هذا المأزق المتردي, ولنبدأ بالنحو أهم فرع في اللغة العربية والذي وصل بغض الطلاب له إلي أن بعضهم لولا الامتحان ما قرأ له كتابا بل إن البعض يستغني عن درجته كلها من باب إراحة العقل, وليست صعوبة النحو شيئا في ذات النحو بل هي فيما يحيط به من مناهج عقيمة تتدخل فيها الأهواء والرغبات الشخصية تدخلا معيبا, ومنها الكتاب المدرسي بإخراجه الذي ينفر ولا يبشر ولا يشجع علي الدراسة, وهناك أيضا الامتحانات التي قد تكون سطحية لا تقيس نبوغ النابغين وتكتفي بأسئلة تافهة خوفا من القيل ولقال وفي بعض الأحيان نجدها تكون غريبة شاذة تؤدي إلي مزيد من بغض الطالب له, ولا ننسي في هذا السياق المدرس الكاره للنحو أو غير المتمكن من مادته, فإذا أتينا إلي المناهج فسوف نجد عشوائية غريبة في وضعها وتقسيمها فنجد مثلا درس إعمال المشتقات وتجاهلها لدرس إعمال المصدر رغم كثرة وروده علي الألسنة, وفي درس نصب الفعل المضارع يهتم بذكر حالة رفع المضارع بعد حتي دون توضيح وبيان لهذه القاعدة النادرة ويترك نصب المضارع بعد واو المعية وإذن الجوابية رغم انتشارها في النصوص الأدبية ومن طرائف وغرائب تغيير المناهج أنهم ألغوا درسي التصغير والنسب من التعليم الثانوي لا لشئ سوي أن أحد أعضاء لجة التطوير اعترض علي سؤال جاء في امتحان الثانوية العامة يطلب تصغير كلمة( سمة), وقد وجد سيادته أن في هذه الكلمة صعوبة لا أعلم مصدرها ولعله استقي هذه الحكم من أحد الطلاب المقربين إليه قد أخطأ في إجابته, علي كل فقد كتب أستاذنا بجريدة الأهرام ينتقد بشدة درس التصغير وخصوصا تصغير كلمة سمة, رغم أن درس التصغير من الدروس العقلية الرائعة التي يتميز وينفرد بها النحو العربي كما أن تصغير الكلمات أو النسب إليها يحتاج إليها الطالب كثيرا في كلامه فماذا يقول الطالب إذا أراد أن ينسب نفسه إلي محافظة قنا أو مدينة طنطا أو كيف يصغر كلمة في عمل أدبي, علي كل فوجئ الجميع بعد نشر مقال مسئول التطوير بإلغاء الدرسين هكذا لرغبة شخصية ومهما كانت مكانته ومنزلته في قلوبنا لا يمكن أن نوافقه في إلغاء درس أو قاعدة حتي لو كان فيهما من الصعوبة ما فيهما فقواعد أي لغة لابد أن تحترم ولا تتدخل فيها الآراء والأهواء فهل سمعنا عن أي أديب يلغي قاعدة في الإنجليزية أو غيرها لأنه يستصعب فهم هذه القاعدة طبعا لم يحدث ذلك البتة إلا عندنا. أما العامل الثاني فهو المعلم فهذا هو لب القضية فلو وجد المدرس العاشق للنحو والمعتقد أهميته لأخرج لنا بالضرورة جيلا محبا للنحو عاشقا له كذلك, وأما إن كان غير متمكن في النحو ومهما بلغت درجة تمكنه في بقية الفروع فسوف يخرج لنا جيلا كارها للنحو فمن طرائفهم كما حدثني أحد الزملاء في مدينة الإسكندرية أن أحدهم وقد بلغت شهرته ما بلغت عندما أجاب عن امتحان الثانوية العامة لطلابه وكان المطلوب الكشف في المعجم عن كلمة ازداد فأجاب في مادة( زود) وطبعا الصواب( زيد) وكان من جرأته أن كتب هذه الإجابة علي باب( المركز) الذي يدرس فيه, وكان مبرر الطلاب عندما اكتشفوا خطأه أن الأستاذ غير متمكن في النحو ولكنه يحفظنا الأدب بالغناء, وآخر يمتدحه طلابه بجودة تمثيله لقصة بحيث يخرج الطالب وقد حفظ أحداثها أما النحو فهو يمر به مرورا عابرا وحتي لغويات القصة فهذه متروكة لثقافة الطالب وإطلاعه فالأستاذ العبقري يتجاهل هذا الجزء الهام من دراسة القصة, لا لشئ سوي لبعضه لهذا الفرع وعدم إتقانه له. وأخيرا أختم باقتراح سمعت أنه مقدم إلي مجلس الشعب منذ سنوات عديدة ولكنه مازال محفوظا في الأدراج هذا الاقتراح هو جعل النحو مادة مستقلة لها كتاب منفصل ومدرس مخصص متخصص في هذا المجال, فهل يفعلها وزير التربية والتعليم ويخرج لنا بقرار جرئ ينقذ اللغة العربية.