في انتخابات مجلس الشعب التي جرت في عام2005 حصد مرشحو الإخوان نحو20% من مقاعد البرلمان الذي لم تتعد نسبة التصويت العامة فيها23% من المقيدين في جداول الناخبين, وهو ما يكشف حقيقة الكتلة التصويتية للإخوان علما بأن انتخابات2005 جرت في ظل إشراف قضائي كامل بواقع قاض لكل صندوق, علي ثلاث مراحل, كانت الثالثة هي الأسوأ, لكنها في الغالب كانت انتخابات شبه ديمقراطية. وإذا افترضنا أن نسبة التصويت في التعديلات الدستورية في حدود60% من أصوات المقيدين في الجداول الانتخابية فهذا يعني أن هناك زيادة تقترب من المثلين عن آخر انتخابات قريبة من الديمقرايطة في مصر, ما يعني أننا أمام كتلة تصويتية كبيرة, لم يسبق لها المشاركة في أي انتخابات عامة أو استفتاءات, ولا يمكن لأحد الإدعاء بأنه حرك هذه الكتلة الكبيرة, أو أنه وجهها تصويتيا سواء بنعم أو لا.. لكن هذا يعني بمنتهي البساطة أن الأغلبية الصامتة في المجمتع شاركت ولأول مرة في عملية ديمقراطية. وفي كل الأحوال لا يمكن لأحد الإدعاء بأن هذه الكتلة التصويتية تابعة له, وبالتالي إدعاء النصر في الاستفتاء, وهزيمة المنافسين, حتي لو كان الإخوان قد حثوا قواعدهم علي المشاركة في التعديلات الدستورية, وحتي لو كان هذا الحشد قد جري بشعارات دينية مثل أن التصويت بنعم يعني الحفاظ علي المادة الثانية من الدستور وعدم إلغائها. نحن أمام مصر جديدة هي التي فازت في استفتاء السبت, مصر بكل طوائفها ومناطقها وقراها ومدنها ومحافظاتها التي خرجت عن بكرة أبيها في مشهد ديمقراطي غير مسبوق في الحياة السياسية المصرية. وأعتقد أنه علي الإخوان الذين يحتفلون بتصويت المصريين بنعم علي التعديلات الدستورية التمهل قبل الشروع في الاحتفال, أو التحدث بلغة النصر, لأن أحد أكبر مشاكل الانتخابات المصرية, أن قلة المشاركة فيها تسمح للقوة السياسية والدينية المنظمة بالحصول علي تمثيل أكبر كثيرا من حجمها الحقيقي. لذلك فإن استغلال الزخم التصويتي المصري, والاهتمام الشعبي بالمشاركة في العمل العام, يعني أن الأغلبية الصامتة في مصر قد تحركت, وهي ليست بالضرورة تميل لأي من القوي السياسية أو الدينية القائمة, لكنها في حاجة لإعادة ترتيب توجهاتها السياسية والتصويتية والتنظيم في أشكال وتجمعات سياسية جديدة, ما يعني أن الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها خلال ستة أشهر من الآن ستشهد برلمانا مختلفا لم يحدث من قبل في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية. وستتوقف فرص كل فصيل سياسي علي الفوز بحصة أكبر من أصوات هذه الأغلبية التي لم تعد صامتة علي القدرة علي التحرك بين الجماهير, وطرح برامج وموضوعات تتوافق مع اهتماماتهم, وتسبر أغوار رغبتهم في الاستمرار في المشاركة السياسية الفاعلة. وأعتقد أن علي جميع القوي السياسية الحالية, أو التي ستنظم نفسها خلال الأيام القليلة القادمة سرعة العمل والتجاوب مع أحلام ومطالب هذه الأغلبية الشعبية الكبيرة, لأن الخوف كل الخوف, ألا تستطع القوي السياسية التعامل مع الناس, ومن ثم نعود من جديد لحالة الصمت السياسي والغياب عن المشاركة كما كان يحدث من قبل. مصر في لحظة تاريخية مهمة في حياتها, يمكن خلالها تحجيم القوي الدينية ووضعها في حجمها الطبيعي, ويمكن أيضا تنشيط الحياة الحزبية وخلق أحزاب جديدة وفاعلة ومؤثرة علي الساحة, لكن الخوف كل الخوف أن تفلت هذه اللحظة من بين أيدينا, وننشغل في تصفية الحسابات الداخلية, والصراعات السياسية الصغيرة لنفقد هذا الزخم الشعبي الكبير.