دعوت لتلميذة في انتظار نتيجة الثانوية العامة بالتوفيق والنجاح وأن تدخل كلية من كليات القمة حتي تفرح أبويها فقالت في رسالة قصيرة:( ليس المهم يا معلمي أن أدخل كلية قمة كما تقولون ولكن الأهم أن أكون قمة في كليتي) وكم كانت رسالتها مؤثرة فعلا وتمنيت أن طلاب الثانوية العامة الذين ينتظرون نتيجتهم يعملون بها وهي نموذج راق لتطبيق عبادة الرضا عن الله. هذه العبادة التي تغلبنا الدنيا عليها فننساها أو نتناساها ولو أخذنا بها لارتاحت نفوسنا وهدأت قلوبنا, وجميعنا في حاجة إليها وليس طلاب الثانوية فقط, فهي معين لنا علي أزمات الحياة وهي علاج ناجع لكثير من أمراض النفوس. قالواقع أن الإنسان بين حالتين, بين حالة الرضا وبين حالة السخط, الرضا من لوازم الإيمان, والسخط من لوازم الكفران, الرضا من لوازم القرب من الله, والسخط من لوازم البعد عن الله, فالإيمان يقين يسكن الأعماق, ومعرفة الله لها مذاق حلو يطبع النفوس علي النبل والتسامي, ويصفي النفوس من كدرها. إنه شوق إلي الله, ومسارعة إلي مرضاته. روي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: يا أبا سعيد! من رضي بالله ربا, وبالإسلام دينا, وبمحمد نبيا وجبت له الجنة. والرضا خلاف السخط/ السخط, كما في الدعاء الذي علمناه إياه رسول رسول الله صلي الله عليه وسلم : أعوذ برضاك من سخطك مسلم. وقوله صلي الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم, فمن رضي فله الرضا, ومن سخط فله السخط صحيح سنن الترمذي. فالرضا جنة المؤمنين.. فيها يستريحون من هموم الدنيا ومشاغل النفس وضيقها.. ففي الرضا بقضاء الله وما قسمه لك غني في النفس وراحة للبال, علي عكس من لا يرضي بما قسمه الله فإنه يكون علي الدوام في شد وجذب مع نفسه وفي كدر دائم. الرضا هو سرور القلب بمر القضاء, وهو نعمة غالية وعبادة قلبية تغيب عن الكثير, من يفتقدها يشعر بالسخط والضجر ولا يتلذذ بما أعطاه الله من نعم. وفي هذا يقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: وارض بما قسم الله لك تكن أغني الناس. والرضا هو قبول حكم الله في السراء والضراء, والعلم أن ما قسمه الله هو الخير كله, لذا قال سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما : من اتكل علي حسن اختيار الله تعالي, لم يتمن غير ما اختار الله له. من ملأ قلبه من الرضا بالقدر, ملأ الله صدره غني وأمنا وقناعة, وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه, والتوكل عليه. ومن فاته حظه من الرضا, امتلأ قلبه بضد ذلك, واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه. فالرضا يفر القلب لله, والسخط يفرغ القلب من الله, ولا عيش لساخط, ولا قرار لناقم, فهو في أمر مريج, يري أن رزقه ناقص, وحظه باخس, وعطيته زهيدة, ومصائبه جمة, فيري أنه يستحق أكثر من هذا, وأرفع وأجل, لكن ربه في نظره بخسه وحرمه ومنعه وابتلاه, وأضناه وأرهقه, فكيف يأنس وكيف يرتاح, وكيف يحيا؟( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)28 سورة محمد. قال الشافعي: دع الأيام تفعل ما تشاء.... وطب نفسا بما حكم القضاء ولا تجزع لحادثة الليالي.... فما لحوادث الدنيا بقاء وكن رجلا علي الأهوال جلدا.... وشيمتك المروة والوفاء باحث لغوي