صرحت وزارة الزراعة بأن مجمل التعديات علي الأراضي الزراعية بلغ3632 فدانا وعقب الأحداث التي مرت بها البلاد واستغلال حالة الفراغ الأمني أثناء وبعد ثورة25 يناير. وصلت التعديات علي الأراضي الزراعية إلي ما يزيد علي12831 ألف حالة وقامت علي اثرها أجهزة الدولة بحصرها وازالتها مع عقاب المخالفين وفقا للقانون, وفي حين قررت وزارة الزراعة تفعيل القوانين والقرارات التي من شأنها الحد من التعدي علي الأراضي الزراعية خاصة أن جرائم التعدي لا تسقط بالتقادم أو الوفاة ويتحملها الورثة لأن الأراضي الزراعية ليست ملكا لأحد ولا يجب التفريط فيها. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستسلم المواطن الذي كلفه البناء مبالغ طائلة لقرار الازالة أم أنه سيحاول التحايل عليه وتبدأ مسلسلات جديدة من الرشوة والفساد؟ وهل هناك قرارات إزالة تم تنفيذها بالفعل في الوقت الحالي أم أنها مجرد حبر علي الورق؟ وماذا ستستفيد الدولة من الخسارة التي تسببها للمواطن بعد تنفيذ القرار؟ وهل هناك حلول بديلة لقرارات الإزالة؟ أسئلة كثيرة نحاول البحث عن إجابتها في هذا التحقيق. عراقيل الحكومة يقول محمد سيد مصطفي, فلاح وأحد المتعدين, إن ظروف الحياة أجبرته علي ترك مهنة الزراعة بعد أن رآها علي حد تعبيره مش جايبة همها وأن الحكومة هي السبب لذلك حاول البحث عن مصدر رزق آخر وما دفعه للبناء أن لديه ولدا يريد أن يزوجه لأن منزل العائلة لا يسع لزواجه فضلا عن أن الحكومة تضع عراقيل كثيرة للحصول علي تراخيص البناء دون ان تضع لنا الحلول البديلة ولما جاءت الفرصة بنيت منزلا وسط الأرض الزراعية الخاصة بي ضمن حالات كثيرة مشابهة في نفس القرية. ويلتقط علي أبو الفتوح, أحد المزارعين طرف الحديث ليضيف أن هناك فردا في العائلة يتاجر في الأراضي وأن فرصة غياب الأمن وانشغال الحكومة دفعته لبناء عمارات في الأراضي الزراعية وكان من قبل يساعده أحد أعضاء مجلس الشعب في عملية الأحوزة العمرانية, وأضاف أن مثل هذا يجب أن يحاسب لأنه فقط يستغل الفرصة أما نحن أغلب من الغلب ومفيش بديل. أما الحاجة سيدة فتقول إن زوجها توفاه الله منذ عامين ولديها ابنان سوف يتزوجان خلال الصيف القادم ولابد من توفير الشقق اللازمة لهما وكانت تنوي أن تزوجهما في شقق الإيجار في المدينة المجاورة للقرية لأن تراخيص البناء صعبة جدا ولكن لما حانت الفرصة ووجدت الجميع يبنون في أراضيهم قمت ايضا ببناء قيراط في الأرض الزراعية التي لا تتعدي الفدانين. للقانون رأي يقول الدكتور شريف كامل, أستاذ القانون الجنائي بحقوق القاهرة, أن التعديات علي الأراضي الزراعية لها شقان في القانون الأول يخص الموظف العام وما يرتبط به من العدوان علي المال العام عن طريق التربح أو الغدر أو الاستيلاء أو تسهيل الاستيلاء وجاء ذلك في المادة115 مكرر أن كل موظف عام تعدي علي أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة لوقف خيري أو لإحدي الجهات المبينة في المادة119 وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات بها أو شغلها أو انتفع بها بأي صورة أو سهل ذلك لغيره بأي طريقة يعاقب بالسجن متي كان ذلك العقار يتبع الجهة التي يعمل بها أو جهة يتصل بها بحكم عمله, وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا ارتبطت بجريمة الجريمة بجريمة تزوير أو استعمال محرر مزور ارتباطا لا يقبل التجزئة, ويحكم علي الجاني في جميع الأحوال بالعزل من وظيفته أو زوال صفته ويرد العقار المغتصب بما يكون عليه من مبان أو غرس أو برده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء علي نفقته وبغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من منفعة علي الا تقل عن خمسمائة جنيه. وأضاف كامل أن الرشوة والمرتبط بها في هذا الشأن فساد المحليات وغير ذلك عقوبتها السجن المؤبد أما الشق الآخر فيتعلق بالفرد العادي وتنص المادة372 مكرر أن كل من تعدي علي أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيري أو لإحدي شركات قطاع الأعمال أو لأي جهة أخري ينص القانون علي اعتبار أموالها من الأموال العامة يعاقب عليها بالحبس من24 ساعة إلي ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد عن الألفي جنيه أو إحدي هاتين العقوبتين ويحكم علي الجاني برد العقار المغتصب بما عليه من مبان أو برده مع إزالة ما عليه علي نفقته الخاصة, إذا وقعت الجريمة بالتحايل والإقرارات غير الصحيحة فإن المشرع شدد العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي خمس سنوات. كارثة كبري يقول المنهدس أحمد الليثي وزير الزراعة الأسبق أن حجم التعديات علي الأراضي الزراعية خلال فترة الانفلات الأمني منذ بدء ثورة25 يناير وحتي الآن قد تعدي الخمسين ألف فدان ولكن لا يتم الإعلان عن ذلك ولو أن تلك المساحة تمت زراعتها بمحصول القمح الاستراتيجي كان سيوفر أكثر من مائتي الف طن قمح لمصر بل أن الفاجعة الكبري أن تمت إزالة مساحات مزروعة من القمح حتي يتم البناء مكانها وهذه جريمة كبري في حق البلد وفي حق الأجيال القادمة لأن الإعتداء علي الأراضي القديمة وهي أخصب الأراضي في قارة أفريقيا كلها يمثل جريمة كبري لا يمكن التساهل مع مرتكبيها خاصة وأن الكثير منهم يقوم بالبناء من أجل التجارة وليس لظرف اضطراري مثلا وللأسف الشديد كان أعضاء البرلمان أنفسهم يساعدون علي زيادة هذه التعديات من قبل لخدمة العملية الانتخابية. وماذا بعد الإزالة؟ وأضاف الليثي أن العبرة ليست في قرارات الازالة نفسها ولكن المشكلة الكبري هي أن الأرض التي تم البناء عليها بالخرسانات كيف يمكن أن تعود مرة أخري أرضا زراعية وهذا أمر بالغ الصعوبة ومكلف جدا, لكنه يري ضرورة تنفيذ قرارات الإزالة حتي يكون ذلك رادعا لكل من تسول له نفسه التعدي علي الأراضي القديمة خاصة وأن العديد من المحافظات لها ظهير صحراوي وحتي المحافظات الأخري يمكنها أن تحتفظ لنفسها بظهير صحراوي كما حدث في محافظة الغربية وهي محافظة ليس لها ظهير صحراوي لكن الدكتور فتحي سعد وكان محافظ الغربية آنذاك كانت لديه نية لتخصيص حوالي مائة ألف فدان في الصحراء الغربية تابعة للمحافظة من أجل التوسع العمراني والبناء بعيدا عن الرقعة الزراعية. الغذاء الرئيسي في خطر وأشار الليثي إلي أن هناك دراسة وإحصائية لحجم التعديات علي الأراضي الزراعية خلال ثلاثين عاما قام بها الحزب الوطني المدافع عن الحكومة عام2004 لعرضها علي مؤتمر الحزب في نفس العام تبين منها أنه تم التعدي بالبناء علي أكثر من مليون ومائتي ألف فدان سواء بتصاريح أو من غير تصاريح وسواء كان ذلك من أجل المباني العامة أو الخاصة أو التوسعات الحكومية, ويري أننا لو استمر الأمر علي ذلك فسوف نقضي علي الأراضي القديمة كلها خلال فترة ليست ببعيدة في حين ان الأراضي الجديدة المستصلحة قادرة علي استيعاب تلك العملية, وأن حجة البناء علي الأرض الزراعية من أجل الزواج أو خلافه مجرد أسباب واهية وأن الصحراء قادرة علي استيعاب كل أشكال العمران والدليل علي ذلك حجم التعديات نفسه الذي وصل إلي تبوير أجزاء من أخصب أراضي مصر. وأكد الليثي أن تبوير تلك الأراضي يؤثر حتما علي عمليتي الزراعة وتوفير الغذاء والانتقاص من مصدر الغذاء الرئيسي في البلد لا سيما وأن تعداد السكان في تزايد مستمر والعالم كله بالأساس يعاني من أزمة غذاء وهذه كارثة نسأل الله ان يرحمنا منها, ويري أن جزءءا من المشكلة يقع علي عاتق مسئولي وزارة الزراعة وأمناء الجمعيات بالمحافظات المختلفة ويجب محاسبتهم إلي جانب الفلاح أو المواطن المتعدي حيث أن منهم من يسهل تلك التعديات وأحيانا هم أنفسهم يقعون في التعديات ايضا. جريمة عسكرية ويطالب الليثي بضرورة خضوع قرارات الإزالة لأمر الحاكم العسكري كما حدث في الفترة من عام1996 وحتي1999 لكون التعدي علي الأراضي القديمة يعتبر جريمة عسكرية ومن ثم لم تحدث تعديات علي الأراضي الزراعية في تلك الفترة ولكن بعد إلغائها حدث ما حدث وعلي الرغم من أن قرارات الإزالة لو تم تنفيذها سوف تسبب خسارة فادحة لصاحب البناء من ناحية وللدولة من ناحية اخري لكن هذا هو الحل الأمثل حتي لا يستمريء اي فرد تكرار مثل ذلك التعديات مع الأخذ في الاعتبار الحالات الانسانية لان هناك من يبني اضطرارا وليس اختيارا اواستغلالا للفرص, ويري ان الاكتفاء بفرض غرامات مالية فقط علي تلك المباني سوف يفتح الباب لزيادة التعديات اكثر وأكثر وسيفتح ايضا باب الرشوة والفساد من جديد. محمية طبيعية ويقول الدكتور عبدالسلام جمعة أبو القمح ونقيب الزراعيين ان الأراضي القديمة في الوادي والدلتا يجب التعامل معها علي أساس كونها محمية طبيعية ويجب تجريم ومعاقبة كل من يحاول تبويرها او التعدي عليها لأن الزراعة المصدر الاساسي لانتاج الغذاء وزيادة التعديات في ظل تزايد السكان سوف يخلق أزمة كبيرة, ايضا تكلفة إعادة الأراضي التي تم التعدي عليها بالبناء للزراعة مرة أخري سوف يكلف الدولة كثيرا. ويقترح جمعة ان تصادر الدولة الأراضي التي تم التعدي عليها كعقاب رادع لكل من قاموا بالتعدي بالبناء علي الأرض الزراعية مؤكدا ان هناك حلولا أخري وبدائل لعملية البناء خاصة في الظهير الصحراوي للمحافظات, وانه خلال العشرين سنة الأخيرة تم التعدي علي ما يزيد علي مليون فدان وان مجرد فرض الغرامات سوف يشجع الأفراد علي زيادة التعديات والدخول مرة أخري في دوامات الفساد والرشاوي مشيرا إلي أن الحكومة في تلك المرة يجب ان تكون أكثر جدية ولابد ان تنفذ فعلا قرارات الإزالة وتصادر تلك الأراضي حتي لا نقضي علي الزراعة. وأضاف جمعة ان ميزة الأراضي القديمة انها اخصب اراضي في القارة الأفريقية وأنها تحتفظ بالمياه لفترة طويلة جدا مما يوفر عملية الري لبعض المحاصيل الاستراتيجية بعكس الأراضي الجديدة المستصلحة ليست لديها هذه الميزة. وفي تصريح سابق للدكتور أيمن فريد أبوحديد وزير الزراعة أشار إلي أن التعدي علي2000 فدان من الأراضي الزراعية بالبناء ليس هو المحصلة النهائية للكارثة بينما هناك حوالي15 ألف فدان آخري محيطة بالألفي فدان تتأثر بتلك التعديات ولا يمكن زراعتها ايضا وعلي فرض بأن الفدان يعيش عليه عشرة أفراد فهناك إذا150 ألف فرد يعانون من نقص الغذاء بسبب التعدي علي ألفي فدان فقط. مشروع قومي أما الدكتور محمد رئيف, استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة, فيقول إن الاقتصاد بصفة عامة والاقتصاد الزراعي بصفة خاصة يتأثر بشكل كبير ومباشر بعملية التعديات المستمرة علي الأراضي الزراعية خاصة مع الزيادة السكانية وهذا سيكلف الدولة مليارات الدولارات من أجل الغذاء فقط وكما نعلم اسعار المواد الغذائية في ارتفاع متزايد في حين ان الرقعة الزراعية في تآكل مستمر, ويري أن ذلك بسبب خطأ في سياسات وزارة الزراعة السابقة في إدارة الأزمة. وأكد رئيف ان الحل يكمن في ضرورة وضع خطة بمشروع قومي لاستصلاح أراض جديدة والتوسع في زراعة محاصيل أخري من اجل الانتاج الغذائي لأن بعض الدول تزرع من أجل انتاج الوقود الحيوي, وفي مصر تجد أن الصادرات تقل والواردات تزيد والفجوة بين الاثنتين كبيرة جدا وكما يقال من لا يملك قوته لا يملك حريته فلابد من وجود حلول جذرية للسيطرة علي المشكلة مع الوضع في الاعتبار ضرورة تغيير نمط الاستهلاك. وأضاف رئيف ان الوزارة يجب أن تضع تصورا وخططا ودراسات مستعينة بأهل العلم والخبرة في هذا الشأن ووضع حلول قصيرة وطويلة الأجل وإعادة ترتيب المحاصيل حسب اهميتها والاتجاه لاستصلاح الأراضي والبعد عن الأفكار القديمة العقيمة التي تنادي بأن الاستيراد ارخص من الانتاج, وضرورة النظر لتجارب الدول الأخري فالسعودية وهي بلد صحراوي استطاعت ان تزرع القمح في صحراء الربع الخالي رغم تكلفة هذه العملية وكان من الممكن ان تعتمد علي الاستيراد لكنها ارادت ان تحقق الاستقلال الوطني والاقتصادي لنفسها من أجل المصلحة الوطنية, فلماذا لا تفعل مصر ذلك وهي أولي لأن بها كل المقومات الممكنة من ارض مياه وأيدي عاملة فما المانع؟ وحيث إن قرارات الإزالة تقوم بها المحليات ووزارة الزراعة وبإشراف الشرطة يقول الدكتور محمود عمارة, رئيس مدينة طنطا, ان قرارات الإزالة يتم إخطار الشرطة بها وتقوم بعمل الدراسات الأمنية اللازمة ثم تحدد الميعاد المناسب لتنفيذ القرار وليس هناك حق للمواطن او الفرد مرتكب التعدي أن يعترض وهذا سر وجود الشرطة مشيرا إلي أن القوات المسلحة تقوم بعمل جدولة لتلك القرارات خلال فترة الغياب والانفلات الأمني اثناء وبعد ثورة25 يناير إلا أنه حتي الآن لم يتم تنفيذ قرارات إزالة بشأن تلك الأحداث. في حين أن اللواء رمزي تعلب, مدير أمن القليوبية, أكد أنه تم بالفعل تنفيذ قرارات إزالة لردع كل من تسول له نفسه التعدي علي الرقعة الزراعية مؤكدا ان الشرطة ليست جهة تنفيذ وإنما هي مجرد قوة مرافقة للجهة القائمة بالتنفيذ ومهمتها الاساسية هي الحماية.
