ثلاث وسائل لحل مشكلات نقص المياه رصدتها دراسة مهمة أعدها د. عبدالله نجيب الأستاذ بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة القاهرة, التي كان قد قدمها لمسابقة وقف د. شوقي الفنجري العلمية عام2008. حيث تتضمن تلك الوسائل العمل المشترك بين دول حوض النيل, وهي قضية إقليمية لا يمكن تناولها إلا في نطاق الحوض كله بحيث تؤدي إلي زيادة الموارد المائية المتدفقة إلي نهر النيل, وهي عملية متاحة بحسب الدراسة لدول المنابع, بالإضافة إلي وجود أنهار أخري فيها تسهم في سد احتياجاتها المائية, وهي عبارة عن أنهار بعضها قطري, وبعضها الآخر دولي مشترك. فضلا عن الاتفاق علي توزيع موارد النيل الحالية بصورة تقبلها كل دول الحوض, والاتفاق علي مشروعات إنتاج الطاقة الكهرومائية من مياه النيل, والاتفاق علي مشروعات تخزين المياه, ومشروعات ترشيد مجاري المياه, والتعاون بشأن البيئة الطبيعية في حوض النيل, وتنظيم جمع وتحليل وبث المعلومات المناخية والهيدرولوجية, وكلها مهام لا تدرك ولا تعالج إلا في نطاق إقليمي يشمل دول حوض النيل بأكملها. ووفقا للدراسة فإن نهر النيل هو نهر دولي مشترك بين عدد كبير من البشر, ويعاني من نقاط ضعف, وهي أن لدي منابعه أقل مجاري المياه تنمية, كما أن نسبة ما يحصده النيل في مجراه من الأمطار الكثيفة التي تهطل علي حوضه نسبة قليلة جدا تبلغ نحو7%, والتعاون بين دول الحوض في أضعف حالاته ولا سبيل لإجراء إصلاحات إلا بحركة وعمل جماعي مشترك. ومن خلال استعراض الدراسة لرسم بياني يوضح تدفق المياه علي حوض النيل, اتضح أن المياه التي تتدفق علي السدود في الطرف الجنوبي عند منطقة منقلا تقدر بضعف المياه المتاحة للنيل الأبيض عند ملكال في الشمال, فيما يهدف مشروع قناة جنقلي1 إلي شق قناة بطول360 كم تحصر مجري المياه فيها وتجمعه من المستنقعات والبحيرات الضحلة, مما يوفر4.8 مليار متر مكعب, بالإضافة إلي قناة أخري تتمثل في مشروع جنقلي2 الذي يقتضي تخزينا للمياه أعلي النهر لدي بحيرة ألبرت, وقناة ثالثة لتجميع المياه المفرقة في مستنقعات بحر الغزال, وهذه مشروعات تعطي دفقا إضافيا لمياه النيل الأبيض يساوي20 مليار متر مكعب, كما أن الورقة الرسمية الإثيوبية المقدمة للمؤتمر السابع للنيل عام2002 أكدت أن ضبط مجري نهري بارو والسوباط يمكن من حصاد10 مليارات متر مكعب, وأن بناء سدود لتخزين المياه في مرتفعات إثيوبيا حيث البخر قليل يمكن من حصاد من4 إلي6 مليارات متر مكعب. مما سبق يتضح أن حالة منابع النيل وما يمكن توقعه من تطويرها علامات تشير إلي إمكان زيادة حصاد النيل من هاطل الأمطار, وفي هذا الصدد فإن ثلاثة من الخبراء المصريين قد أجروا دراسة نشروا نتائجها في ورقة قدموها للمؤتمر السابع للنيل في2002, التي أثبتت أنه إذا تعاونت دول حوض النيل بالشفافية والعدل فإن الدراسة التي أجريناها علي كامل حوض النيل تؤكد أننا إذا اعترفنا بالاتفاقات الحالية المتعلقة بمياه النيل, فإن ما يمكن تحقيقه من زيادة في دفق مياه النيل يوفر المياه اللازمة لتغطية احتياجات كل دول الحوض, حيث أوضحت الدراسة أن المياه الضائعة التي يمكن استردادها تساوي75.435 مليار متر مكعب. كما أن إنتاج الطاقة الكهربائية ممكن بعدة وسائل منها الوقود النووي, والوقوي الأحفوري, كما أن استخدام الرياح وانحدار المياه تعدان أفضل الوسائل لإنتاج الكهرباء لقلة تكلفتهما, ولأنهما ألطف بالبيئة الطبيعية, فلا يلوثها كما تفعل الوسائل الأخري, والنيل يمثل مصدرا مهما لإنتاج الطاقة الكهرومائية, وأفضل موقع لإنتاجها في مجري النيل هو شلالات إنياجا بالكونجو, وهي أكبر شلالات في العالم, وبالإمكان إنتاج كمية كبيرة من الكهرباء منها تكفي لتغطية حاجة دول حوض النيل والتصدير لخارج الإقليم, كما أنه يمكن في مواقع أخري في النيل إنتاج كميات كبيرة من الكهرباء عن طريق إقامة السدود, لاسيما في المرتفعات الإثيوبية. وإنتاج الطاقة الكهرومائية عن طريق إقامة السدود والخزانات يتم علي حساب دفق مياه النيل, لما يؤدي إليه حبس المياه من زيادة في نسبة البخر, كما يؤثر في مواعيد جريان وانسياب المياه إلي أسفل النهر, لذلك ينبغي أن يسبق مشروعات إنتاج الطاقة الكهرومائية عن طريق السدود والخزانات, اتفاق شامل حول مياه النيل. وثبت أن إنتاج الطاقة الكهرومائية في حوض النيل هو استثمار ذو جدوي اقتصادية, ويمكن أن يستقطب التمويل من المصادر الثنائية والدولية, وثبت كذلك أن هناك علاقة بين المناخ من حيث نسبة هطول الأمطار ونسبة الرطوبة وغيرها من الحقائق المناخية وحجم الموارد المائية والبيانات المناخية تستطيع أن تعطي إنذارا مبكرا عن ظاهرة الكثافة المطرية المسماة النينو, والظاهرة المناقضة لها الشح المطري أو لانينا, وكلتاهما تؤثران علي الموارد المائية المتاحة للنيل, وعلي الفيضانات المتوقعة أو الجفاف المتوقع, وقد اكتشفت الدراسات المناخية وجود علاقة محددة بين متوسط حرارة سطح المياه في المحيطات الهندي والهادي والأطلنطي, ونسبة هطول الأمطار في حوض النيل, وهذه العلاقة من وسائل الإنذار المبكر التي يمكن استخدامها لتحديد التوقعات المناخية وأثرها في الموارد المائية في حوض النيل. وبذلك يشكل حوض النيل تحديا فنيا تكنولوجيا كبيرا ينبغي أن يوجه نحوه مجهود كبير تدفع نحوه وتتعاون من أجله جميع دول الحوض, وهذا التحدي يكمن في كيفية تطوير منابع النيل بما يزيد من استقبال المنابع لكميات أكبر من المياه المتاحة في حوض النيل, وكيفية زيادة نسبة دفق مياه النيل من حجم الأمطار الهاطلة في الحوض من7% إلي نسبة أعلي, فضلا عن المفقود من مياه النيل علي طول حوض النيل عن طريق البخر يقدر بنحو120 مليار متر مكعب, أي أنه يفوق حجم دفق مياه النيل في مجراه, والعمل علي خفض هذه النسبة. وتضع الدراسة عددا من الإجراءات التي يمكن من خلالها تعظيم الاستفادة من مياه النيل, وتشمل توافر رؤية في ضوء اتفاق شامل يقوم عليه تعاون وثقة متبادلة واعتماد متبادل بين دول الحوض وتحقيق تعاون بين دول الحوض لتكوين المؤسسات اللازمة لتلك المهام وتزويدها بالمعدات الدقيقة, والكوادر المؤهلة لوضع البيانات اللازمة أمام متخذي القرار السياسي علي المستويين القطري والإقليمي, والمطلوب علي المستوي الإقليمي بلورة سياسية في دول الحوض تقضي علي الخلافات, وذلك من خلال عدد من الخطوات: عقد اتفاقية شاملة أو اتفاقيات متكاملة ذات صفة دولية تحترمها كل دول الحوض, وإقامة هيئة مشتركة لحل النزاعات بشأن مياه النيل سلميا, علي أن تأخذ في اعتبارها الاتفاقية الدولية لمجاري الأنهار الدولية الصادرة في مايو1997, بالإضافة إلي إنشاء إدارة مشتركة لمياه نهر النيل يوكل إليها عدد من المهام تشمل: الإشراف علي مشروعات زيادة واردات مياه النيل والإشراف علي إقامة السدود المطلوبة لزيادة تخزين المياه في البحيرات المختلفة, والإشراف علي مشروعات توليد الطاقة الكهرومائية, ومشروعات الحفاظ علي البيئة الطبيعية, علي أن يتم تكوين هيئة فنية تكون مهمتها استقبال وتحليل وبث الإحصاءات الخاصة بالمناخ, لاسيما تقلبات المناخ التي تؤثر علي نسبة هطول الأمطار وتنظيم المعلومات المتعلقة بالموارد المائية وتحليلها وتوزيعها علي الدول المعنية, ورعاية مؤسسات جمع المعلومات وتأهيلها بأحدث وأدق المعدات, وتأهيل الكوادر القادرة علي تشغيلها مع الاستفادة من فرص تخزين المياه في البحيرات( فيكتوريا وألبرت وكيوجا) ورفعها من4 إلي5 مليارات متر مكعب من المياه, مع الوضع في الاعتبار أن تلك الإجراءات مجتمعة تتطلب التعاون بين دول حوض النيل الست( كينيا وأوغندا والكونجو وتنزانيا ورواندا وبوروندي). كذلك ينبغي الاتفاق مع إثيوبيا لتخزين المياه في بحيرة تانا مما يحقق غرضين مهمين: توفير المياه الصيفية بعد تخزينها في موسم الأمطار وتوليد الكهرباء, علي أن يسبق ذلك تحقيق الاستقرار في حوض النيل الذي يعاني حروبا إقليمية مدمرة, وإبرام اتفاق شامل بين جميع دول حوض النيل حول مياه النيل, وتطوير وسائل القياس باستخدام معدات أفضل, وكوادر أكثر تأهيلا, فضلا عن تطوير جمع المعلومات عن موارد النيل المائية, وفي ذلك دعت الدراسة إلي ضرورة أن تقوم مصر بإنشاء هيئة أو وزارة مستقلة تعني بالتعاون والعمل المشترك بين دول حوض النيل, وأن تجمع لديها جميع البيانات والدراسات اللازمة, كما يجب توافر الأموال اللازمة لمساهمتها في مشروعات مشتركة محدودة تعود بالنفع علي مصر ودول حوض النيل.