من المؤكد أن تلك الأخبار التي نشرت حول زيارة نتنياهو لستة دول إفريقية والقيام بعقد عدة لقاءات علي هامش هذه اللقاءات تعد ذات مغزي إذ أنها تعد الزيارة الأولي منذ مايقرب من22 عاما لرئيس وزراء إسرائيلي.. إذ إنهم يرون أن الهدف من هذه الزيارة هو عرقلة أية جهود يمكن أن تقوم بها مصر لحل أزمة سد النهضة.. كانت الزيارة الأولي في عام1958 من جانب جولد مائير لخمس دول أفريقية لترسيخ العلاقات في هذه القارة ذات الأهمية الإقتصادية والسياسية لها.. وإن كان الهدف هو الحصول علي مياه النيل لسد إحتياجاتها من المياه التي تعاني من نقص شديد فيها هو استخدامها كورقة ضغط علي مصر..هذه كلها دوافع وأسباب حقيقية ولكنها ليست كل الأسباب إذ هناك أسباب أساسية هي الأبعد والأعمق بالنسبة لدولة النبوءة الإسرائيلية التي تتحرك وفق أهداف ثابتة لا تحييد عنها قيد أنملة حتي وإن راوغت حولها وإلتفت وناورت حول الظروف المحيطة بها لإخفائها.. إذ إنها تنتظر الظروف الملائمة والتي قد تعمل هي علي تخليقها وتهيأتها لتصل إلي تحقيق مخططها.. قد يساعدها علي تحقيق ذلك تلك العقلية العربية التي تتسم بالنسيان والتركيز علي اللحظة أو الحدث والاستغراق فيها لتفاجأ في النهاية أنها أمام أزمة عاتية قد تتضاءل فيها أمامها فرص التغلب عليها وحلها.. ذلك ما يحدث الأن ومن المؤكد أن العوامل الخارجية تلعب دورا كبيرا في تلك الضغوط التي تمارس علي الدول العربية بصفة عامة وعلي نحو أكثر تركيزا مصر بإعتبارها الدولة القلب والرائد الإقليمي في المنطقة العربية والتي بها تتحدد الأوضاع فهي مفتاح الحرب والسلام في المنطقة علي حد تعبير هنري كيسنجر.. أن كافة الحكام المتعاقبين علي حكم مصر قد تيقنوا من أن ورقة مياه النيل تعد أحد مصادر التهديد الرئيسية للأمن القومي المصري وأن محمد علي باشا فور توليه الحكم قام بتجريد حملة عسكرية تحت قيادة إبنه إبراهيم باشا لتأمين منابع النيل.. لذلك كان ينظر حكام مصر علي مختلف العهود إلي أية أحداث تقع في السودان بعين الترقب والحذر.. ولكن ذلك كله لم يكن بالأمر الكافي كما أن مصدر التهديد الأساسي لها كان من البوابة الشرقية( سيناء) والتي كان يأتي عبرها معظم الغزوات لذلك كان كل التركيز منصبا عليها.. أن أطماع إسرائيل أبعد وأعمق من مجرد الحصول علي مياه النيل وإن كان ذلك صحيحا إلي حد كبير وهي لم تكن منذ قيام دولة إسرائيل في1948 ولكن إلي ماهو أبعد من ذلك بكثير منذ العهود القديمة والذي يتمثل في ذلك الوعد الذي قطعه الله مع سيدنا إبراهيم والذي تحدثنا عنه أسفار التوراة حيث تقول الكلمات في سفر التكوين الأصحاح(15) والعدد(18) في ذلك اليوم قطع الله مع إبرام ميثاقا قائلا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلي النهر الكبير الفرات.. أي أن حدود الملك الصهيوني وبالتعبير العصري دولة إسرائيل الكبري أو دولة النبوءة تقع مابين حديين مائيين أي نهرين وذلك هو المحرك الأساسي والأهم الذي تدور حوله الأحداث.. لقد كان ترك القارة الإفريقية وعدم تعميق العلاقات مع دولها ليس فقط السياسية ولكن الاقتصادية وتدعيم سبل التعاون المشترك كان بمثابة الفرصة السانحة التي أتاحت لإسرائيل التوغل في القارة الإفريقية من خلال تلك المشروعات الإنمائية الوهمية وكان علينا أن نلتفت لذلك التوغل ولاسيما بعد ما حدث في السودان وكيف إنها كانت وراء تقسيمها وهو ما يؤكد أن المخطط الإسرائيلي يسير بخطي ثابتة نحو خط النهاية.