ثورة الخميني التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي منذ37 عاما, لتنهي عقودا طويلة من القهر والحكم الشمولي الدموي تحت حماية أجهزة أمنية لم تكن تتردد في قتل وتصفية المعارضين من بينها وأخطرها جهاز السافاك, انطلقت وقتها من باريس, حيث سمحت عاصمة النور للإمام بمخاطبة وتحريض الشعب الإيراني عليها من محطة أو منصة إذاعية كان لها الأثر الأكبر في نجاحها, وثورة قادمة علي نظام الملالي بدأت أشراطها أيضا من باريس للإطاحة بحكم ولاية الفقيه الذي أسسه الإمام الراحل.. تلك الثورة التي لو نجحت يمكن ساعتها القول بأن التاريخ قادر علي إعادة نفسه بحق الجمهورية الإسلامية, وفقا لنفس السيناريو( تحريك الثورة عن بعد). وبنفس القدر من الحماس الذي أبداه العالم لتأييد ثورة الخميني علي الشاه الظالم لإنقاذ الشعب من الاضطهاد والجور, نجد الحماسة نفسها في التجهيز للإطاحة بعمامات طهران السوداء ممثلة في حكام هذه الإمبراطورية الغابرة التي تحاول استعادة مجدها التاريخي علي حساب شعوب دول الجوار. ظهرت هذه الحماسة جلية في المشاركة الجماهيرية الكبيرة في المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية في الخارج الذي نظمته منظمة مجاهدي خلق برئاسة السيدة مريم رجوي التي يطلق عليها المعارضون الإيرانيون لقب رئيسة إيران المنتخبة, هذا المؤتمر الذي عقد في باريس السبت الماضي واستمر يومين, وشارك فيه ما يقرب من100 ألف معارض إيراني, إضافة إلي وفود عربية رسمية وممثلين عن البرلمان الأوروبي ودبلوماسيين غربيين في حضور لافت يشير إلي ما يمكن اعتباره اتفاقا دوليا علي إدانة الممارسات الإيرانية في المنطقة, وتدخلاتها في شئون دول الجوار دبلوماسيا وعسكريا واستخباراتيا من أجل زعزعة استقرارها وتصدير الثورة إليها, وتحريض مواطنيها علي نشر الفوضي. إيران وبعد انقضاء مؤتمر المعارضة تبدو في عين العاصفة, عاصفة الغضب الدولي من ممارساتها, فيما يتعلق ببرنامجها النووي المثير للجدل, وتجاربها لتطوير أنظمة صاروخية باليستية, وتدخلها في شئون دول الجوار, وتبنيها لتنظيمات متطرفة بالتمويل والمشورة العسكرية والتدريب, وبعناصر الحرس الثوري التي تقاتل في صفوف هذه التنظيمات لدعمها وتقوية شوكتها, وعاصفة الاحتقان الداخلي جراء اضطهاد الأقليات العربية والكردية, والتضييق علي السنة الذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من السكان تصل لعشرات الملايين, وشمولية الحكم وتصفية المعارضين وعدم احترام حقوق الإنسان, وأحكام الإعدامات بالجملة التي تنفذها بحق كل المعارضين من دون أدني تمييز, وأخيرا غضب المعارضين في الخارج الذين لم تتردد في قصفهم بالصواريخ مثلما حدث في الرابع من يوليو الجاري ضد مخيم ليبرتي الحرية للمعارضين الإيرانيين بالقرب من مطار بغداد الدولي. وفي نجاح مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس إشارة قوية علي اقتراب ساعة الحسم, وهو ما عبرت عنه السيدة مريم رجوي خلال كلمتها التي ألقتها في المؤتمر بقولها: إسقاط نظام ولاية الفقيه بات ممكنا, ودعمته جماهير المعارضة الغفيرة التي شاركت في المؤتمر بهتافها باللغة العربية:الشعب يريد إسقاط النظام, وهو ما قاله رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق الأمير تركي الفيصل خلال كلمته إنه أيضا يريد إسقاط النظام الإيراني. الأمير تركي الفيصل قال أيضا أن ارتداء الخميني للعمامة السوداء لا يخوله التدخل في شئون العالم العربي, وهي العمامة نفسها التي يرتديها الإمام الحالي علي خامنئي, وحسن نصرالله رئيس حزب الله اللبناني, ووسط تصفيق وهتاف الجماهير الإيرانية العريضة أعلن الأمير تركي مخاطبا المعارضة الإيرانية: نحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلبا وقالبا, نناصركم, وندعو الباري أن يسدد خطاكم لتنال كل مكونات الشعب الإيراني حقوقها. ليست مجاهدي خلق التي تعارض النظام الإيراني وحدها, بل المعارضة داخل إيران نفسها التي خرجت في مظاهرات في مدينة عبدان الإيرانية ورددت هتافات:ارحلوا عن سوريا, والعراقيون في البصرة التي تسكنها أغلبية شيعية الذين هتفوا في تظاهراتهم ضد إيران: خامنئي برة برة, في دعوة صريحة له لمغادرة العراق. مريم رجوي أكدت في كلمتها أمام المؤتمر أن النظام الإيراني يعيش ظروفا أكثر هشاشة من أي وقت مضي, والشعب الإيراني قادر علي الإطاحة بحكم النظام. اللافت للنظر في القضية أن إيران التي أفلتت خلال السنوات الأخيرة من كابوس الحصار الاقتصادي الغربي, ونجحت في الحصول علي اتفاق نووي مثير للجدل, وأفرج عن أموالها المتجمد في البنوك الأمريكية وحصلت علي مليارات الدولارات من مستحقاتها لدي واشنطن, وسمحت لها الدول الكبري لا سيما الولايات المتحد الأمريكية بالعبث في العراقوسوريا واليمن والبحرين وغيرها, والتزم العالم الصمت إزاء تدخلاتها السافرة في شئون الدول العربية بشكل مباشر وغير مباشر, وتقاطر عليها طابور المستثمرين الغربيين للحصول علي نصيبهم في الكعكة الإيرانية بوصفها دولة نفطية مهمة, هي نفس الدولة التي اجتمع العالم في باريس علي إدانة ممارساتها العدوانية, ورغم الانفراجة التي حدثت في أعقاب رفع العقوبا الاقتصادية عنها, إلا أن المواطن الإيراني لن يشعر بأي تحسن في أحواله المعيشية, بل زادت وتيرة محاصرته والتضييق عليه واضطهاده وخنق حريته في التعبير عن رأيه, فيما يعد مؤشرا علي تحول دفة السياسة الدولية ضد الجمهورية الإسلامية التي يبدو أنها لم ولن تتخلي عن محاولاتها تصدير الثورة, والتوسع علي حساب جيرانها العرب, والعربدة في المنطقة. أحلام الملالي ربما توردهم موارد التهلكة, بعدما ظهرت إرهاصات الثورة عليهم من العاصمة الفرنسية, الأمر الذي لا ينبغي لحكام هذا البلد التقليل من شأنه, فمهما بلغت سطوتهم في حكم إيران, فلن تبلغ ما بلغه الشاه السابق والذي سقط بالطريقة نفسها.