كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قيام الليل ففاضت عيناه حتي تحادرت دموعه وقال:' تتجافي جنوبهم عن المضاجع'سورة السجدة آية.16 المطالب العالية للحافظ ابن حجر. كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- محبا لقيام الليل مكثرا منه لما فيه من الخلوة بينه وبين ربه فكان يقوم من الليل حتي تتفطر قدماه ليكون عبدا شكورا بل ومن شدة حبه له كان يقضيه في الصباح إذا فاته لأمر ما, فعن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت:' كان نبي الله إذا صلي صلاة أحب أن يداوم عليها, وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل, صلي من النهار ثنتي عشرة ركعة' وذات مرة ذكر رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قيام الليل وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- وسال دمعه علي خده الشريف ذاكرا أهله الذين مدحهم الله بقوله:' تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون'( السجدة:16) ووصفهم في موضع آخر بقوله:' والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما'( الفرقان:64) فهو عبادة عظيمة, وسنة جليلة حثنا النبي عليها ورغبنا فيها فقال- صلي الله عليه وسلم-' أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل' رواه مسلم- وقال' عليكم بقيام الليل, فإنه دأب الصالحين قبلكم, وهو قربة إلي ربكم, ومكفرة للسيئات, ومنهاة للإثم'. رواه الترمذي. وهو سبب من أسباب دخول الجنة فعن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم:-يا أيها الناس أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وصلوا بالليل والناس نيام, تدخلوا الجنة بسلام' رواه الترمذي- وهو شرف المؤمن كما قال النبي- صلي الله عليه وسلم:-' واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل' رواه الطبراني- وقال لعبد الله بن عمر- رضي الله عنهما:-' نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل'. قال سالم بن عبد الله: فكان ابن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. فعليك أيها المسلم بقيام الليل ولو بركعتين تواظب عليهما فما من عبد يفتح الله عليه باب قيام الليل إلا فتح له أبواب الرحمات لأنه دأب الصالحين ومدرسة المخلصين, ومضمار السابقين.