لم أجد عنوانا يعبر عن حال الإسكندرية قبل25 يناير وبعده أفضل من( إسكندرية رايح جاي), فقد راح قبله الكثير وجاء بعده الأكثر. وكما قال الروائي الإنجليزي لورانس داريل: بين مد وجزر..بين النوارس والاصداف... اسكندرية يامدينة تبدأ فينا وتنتهي فقبل25 يناير فقدت الإسكندرية روحها التي تغزل فيها العالم أجمع وعلي رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال: إسكندرية عروس الماء...ياجميلة الحكماء والشعراء ثم بعثت من جديد. فكأحد سكان عروس المتوسط كنت أري مشاهد يومية تشمئز منها العين وتسأم منها الروح. منهم شباب في منتهي الإستهتار يحتل النواصي والطرقات ببنطلوناته الساقطة وسيجاراته الملفوفة يلقي كلمات الغزل الرقيع علي المارات. أو مشهد أخر لشباب يتسابقون علي الكورنيش بسياراتهم في منتهي الإستخفاف بحياتهم وحياة الأخرين, أو شخص يلقي القمامة علي قارعة الطريق دون اي تردد رغم أن صندوق القمامة يبعد عنه عدة أمتار رأيت السائقين يدفعون الرشاوي في كل إشارة مرور تجنبا( لغلاسة) رجل المرور,ومشهد المصالح الحكومية بأدراجها المفتوحة و...و....و....والكثير الذي لا يتسع المجال لذكره حتي أن بحرها كنا يهيج ويثور, يرغي ويزيد ومامن مجيب. ولكي أكون منصفة يجب أن أوضح أن المشاهد سابقة الذكر لم تكن هي كل الصور, بل كانت السواد الأعظم, فحين كنا نغلق صفحة2010 ونتطلع بكل تفاؤل لصفحة جديدة من2011 أبي الحاقدون أن نهنأ بها لنصدم جميعا بحادث كنيسة القديسين المفجع, وتساقط الأبرياء بيد الظلم والغدر. وفي مشهد لاينسي قام الشباب بنقل المصابين وتغطية الجثث وتهدئة المفزوعين, بل وقام البعض بنشر الخبر علي مواقع التواصل الإجتماعي, لتمتلأ المستشفيات في دقائق معدودة بالمتبرعين بالدم والمتطوعين حتي فاضت بهم المستشفيات ولم تتسع للجميع. وكانت تلك لمحة افتقدناها من زمن, جعلتني أقول لنفسي ماهم يجي منهم أهو!!!! بس ليه مش بيظهر ده غير في المصايب والأزمات. ثم هل علينا25 يناير بحلوه ومره بماله وماعليه ممالا نناقشه الأن, لينفض الغبار ليظهر المعدن الأصيل كاملا علي حقيقته الرائعة و لتتغير فجأة كل المشاهد وكأننا إنتقلنالبعد زمني آخر, فمع ما سمعنا عنه من هجمات للبلطجية والخارجين عن القانون. أجد شباب البنطلونات الساقطة يهبون كالأسود الكاسرة أمام الممتلكات العامة قبل الخاصة يحمون أعراضهم وأموالهم وأرواحهم فيما عرف باللجان الشعبية لاتعرف من هو مسلم ومن هو مسيحي تعرف فقط أنه إسكندراني, والمدهش أنها كانت في منتهي التنظيم والإلتزام. أقسم أني لم أكن أعرف جيراني في الباب المقابل, وهذا حال الجميع فكانت وقفاتهم رجولية بحتة لاللتباهي أو التظاهر, كيف لا وقد قال عنهم الصادق الأمين خير أجناد الأرض. حتي بعد انتشار رجال القوات المسلحة البواسل بمدرعاتهم ودباباتهم, ظل الشباب يساعدونهم ويعانونهم علي حفظ الأمن والأمان. ثم مرت الأزمة وانقشعت الغمة لنجد عشرات الشهداءممن قدموا أرواحهم قربانا لتراب مصر عامة والإسكندرية علي وجه الخصوص. شباب قيل عنهم ورد الجناين اللي فتح عشان الصبح يطلع. وتستمر المفاجآت الشباب من كل الأعمار منتشرون في حملة إعمار. أطفال من سن5 سنوات حتي شيوخ في السبعينيات. وهناك من يزيل القمامة من الشوارع ومن يكنس ومن يطلي الأرصفة. ومن يزيل العبارات الثورية من علي المباني والمنشآت. ومن ينظم إشارات المرور بكل حنكة ودقة وكأنه يفعلها منذ نعومة أظافره. ذهلت من منظر أنفاق الكورنيش ومافعله بها شباب كلية الفنون الجميلة. عادت العروس من جديد في أبهي حللها وبكامل زينتها وبهائها. حتي البحر كف عن ثوراته واحتجاجاته لينتهي بمنظر عروسه المولود من جديد. وتظل علامات الاستفهام تطل برأسها في غموض, فأين كانت هذه العزائم وهل لابد أن تصير الشوارع حمراء حتي نزرعها خضراء هل هؤلاء هم نفس الشباب أم سحرتهم جنية بعصاها؟ لماذا لاتظهر هذه الروح إلا في الشدائد ؟ لا أجد أي تفسير لذا لن أقف كثيرا عند هذه التساؤلات فهي إسكندرية رايح فلا تهمني بقدرما يهمني الحفاظ علي الإسكندرية جاي. أتمني من كل قلبي أن تظل هذه المشاهد الجديدة مستمرة ومتواصلة أتمني أن لاتخمد العزائم أو تفتر, فمازال هناك الكثير لنقدمه لمعشوقتنا الإسكندرية, أتمني أن ننقل هذا الحماس داخل أماكن عملنا ودراستنا ودور عبادتنا والأهم داخل بيوتنا حتي نضمن استمرار هذه الروح ولا نفقدها ثانية أبدا لتظل إسكندرية أحسن ناس...ع البحر ماشية تتمخطر...من سيدي بشر لابو العباس... أيوه ياعالم ع المنظر كما قال الرائع صلاح جاهين. واسمحوا لي أن يكون ختامي تحية للشهداء كل الشهداء بدءا من شهيدالإسكندرية خالد سعيد مرورا بشهداء القديسين وأتمني أن يكون ختامأ بشهداء يناير.