كان النبي, صلي الله عليه وسلم, مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به, صلي الله عليه وسلم, فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة, رضي الله عنها: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله, صلي الله عليه وسلم,؟ قال: فسكتت ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي. قلت: والله إني أحب قربك, وأحب ما يسرك. قالت: فقام فتطهر, ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي, حتي بل حجره! قالت: وكان جالسا فلم يزل يبكي, صلي الله عليه وسلم, حتي بل لحيته! قالت: ثم بكي حتي بل الأرض! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة, فلما رآه يبكي, قال: يا رسول الله تبكي, وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟! لقد أنزلت علي الليلة آية, ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها إن في خلق السماوات والأرض.., آل عمران:190]الآية كلها رواه ابن حبان. تسأل أم المؤمنين السيدة عائشة, رضي الله عنها, عن أعجب ما رأته من رسول الله, صلي الله عليه وسلم, فتحكي لنا ما صنعه رسول الله في ليلة من الليالي حين أراد أن يقوم متعبدا بين يدي ربه قائلا لها دعيني أتعبد الليلة لربي لتأتيه هذه الإجابة الرقيقة من السيدة عائشة, رضي الله عنها, والله إني أحب قربك, وأحب ما يسرك فهي تريد قربه, صلي الله عليه وسلم, وفي ذات الوقت تريد ما يسره وهي عبادته فعندئذ قام النبي, صلي الله عليه وسلم, فتوضأ ثم وقف بين يدي ربه يصلي وهنا بكي النبي, صلي الله عليه وسلم حتي بلل لحيته الشريفة وموضع سجوده من كثرة الدموع إنه بكاء الخشية من الله تعالي ويأتي بلال, رضي الله عنه, ليعلمه بدخول وقت الفجر فيجد الدموع تنهمر من عينيه فيسأله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول النبي, صلي الله عليه وسلم: يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا؟ وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة آيات عظيمة تقشعر منها الأبدان وتهتز لها القلوب ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لأيات لأولي الألباب.. الأيات إنها عبادة التأمل والتفكر في خلق الله تعالي والتي تثمر حسن العبادة وزيادة الإيمان فركعتان مقتصدتان في تفكر, خير من قيام ليلة والقلب ساه كما قال ابن عباس, رضي الله عنه, وتفكر ساعة خير من قيام ليلة كما قال الحسن فهلا تفكرنا في ملكوت الله وآياته الكونية؟