أشرت في المقال السابق الي بداية المقاومة والثورة العربية والفلسطينية للفكر الاستعماري والاستيطاني للصهيونية السياسية بدعم من سلطات الانتداب البريطاني علي فلسطين وفي هذا المقال سأوضح الأسباب التي أدت الي ذلك, وكيف تفاعلت واشتعلت في الأراضي الفلسطينية كلها. إن الأسباب المباشرة التي جعلت النزاع يتخذ طابع الحدة والمجابهة والعنف في بعض الأحيان تعود إلي يوم الأربعاء14 أغسطس1929 الموافق في السنة العبرية يوم الغفران حين قامت مظاهرة شبه عسكرية للمستوطنين اليهود في تل أبيب والقدس قام بها حزب الإصلاح التابع للمنظمة الصهيونية المتعصبة والتي تسمي( بيتار) وحين وصلت إلي ساحة البراق( حائط المبكي) وأدي المتظاهرون صلواتهم وقاموا بطقوسهم الشعائرية الدينية تطبيقا لنص المادة الثالثة عشرة من وثيقة صك الانتداب والتي أعطتهم حق إقامة تلك الصلوات ولم يعارض المسلمون تلك الزيارة حيث نشأت هذه العادة بفضل التسامح الإسلامي للسكان العرب وهم أصحاب الأرض عندما سمحوا لشيوخ وعجائز اليهود( كحجاج وزائرين للقدس) بالصلاة في هذا المكان منذ ستينات القرن التاسع عشر والذي ليس له أي أساس في العقائد والمناسك والعبادات اليهودية إلا أن اليهود وهم المشهود لهم بنقض العهود والادعاء بما ليس لهم من حقوق وأخذوا بعد الاحتلال البريطاني يحاولون تحويل هذه العادة إلي حق مكتسب لهم لإقامة الصلوات ثم حق مكتسب لهم أيضا لملكية مكان تلك الشعيرة, وبالتالي إضافتها الي المناسك الدينية وبهذا يظهر البعد الديني كأسلوب لتأكيد الاستيطان في الفكر الاستعماري للصهيونية العالمية بواسطة الصهيونية السياسية. أدي ذلك الي قيام السكان العرب أصحاب الأرض في يوم الجمعة التالي بالاحتجاج في صورة مظاهرة شعبية كبيرة في مدينة القدس حيث توافدت عليها من جميع القري والمدن المجاورة جماهير غفيرة متأثرة بما حدث ورافضة وثائرة عليه وانطلقت بعد تجمعها من المسجد الأقصي حيث واجهتها وجابهتها السلطات البريطانية بالقمع والقوة بعكس ما فعلت حيال تظاهرات اليهود وانتشرت الاشتباكات في المدن والقري الفلسطينية وخاصة مرج بن عامر الأكثر حدة في الثورة حيث هوجمت المستوطنات الصهيونية, وقامت معارك طويلة مع قوات الانتداب البريطانية التي تقوم بحمايتها واستخدمت سلطات الانتداب البريطاني الأسلحة الثقيلة مثل المدفعية والدبابات والطائرات حتي الغازات الحربية في مواجهة المتظاهرين والثوار العرب, وألحقت أضرارا جسيمة في قراهم( مساكنهم ومنشآتهم الإدارية) وفرضت عليهم العقوبات والغرامات المالية الفردية والجماعية علي مدن وقري الجليل واتهامهم بمهاجمة قوات الانتداب البريطاني والمستوطنين اليهود والصهاينة ومقاومة سلطات الانتداب بالقوة ونسفت بعض البيوت في قري القدس العربية وفرضت حظر التجوال علي العرب دون اليهود, والإقامة الجبرية علي الكثير من قادة وزعماء العرب وفرضت الرقابة الصارمة علي الصحف والحريات وخاصة حرية الاتنقال داخل المدن والقري او خارجها, وقامت بالبحث والتفتيش التعسفي عن السلاح بهدف نزعه من العرب وكانت حصيلة انتفاضة البراق التي انتهت في30 أغسطس مقتل33 مستوطنا يهوديا وجرح نحو339 ومن العرب116 شهيدا و232 جريحا كما استمرت السياسة البريطانية بممارسة الإرهاب والابعاد للعرب وفرض القيود الاقتصادية والعسكرية عليهم دون اليهود وحكمت المحكمة البريطانية بإعدام27 عربيا, ولم ينفذ إلا في ثلاثة فقط. ثم جاء السير جون هوف سميسون الخبير المالي البريطاني والذي عينته الحكومة البريطانية في مايو1930 رئيسا للجنة تقوم بالتحقيق في أسباب انتفاضة البراق ومسائل الهجرة اليهودية وتطوير البلاد تحت الانتداب. وهذا ما سنتحدث عنه في مقالنا القادم ان شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا