قطع رئيس الوزراء التركي, أحمد داود أوغلو, الشك في وجود أزمة حادة داخل حزب العدالة والتنمية, بيقين استقالته من رئاسة الحزب, ليصعد إلي العلن الصراع الصامت بينه وبين الرئيس رجب طيب أردوغان, وهو صراع قد يتطور إلي انقسامات داخل الحزب, تؤدي إلي إضعاف سلطته التي ظل يمارسها منفردا منذ14 عاما. لقد كانت الأزمة متوقعة بعدما أصبح أردوغان رئيسا للجمهورية, خلفا لرفيقه السابق عبدالله غول, الذي انسحب مستاء من سياسات العدالة والتنمية, بينما تولي أوغلو رئاسة الحكومة, محاولا إصلاح ما أفسدته السنوات الأخيرة علي المستويات الاقتصادية والاجتماعية. بيد أن تغيير المشهد السياسي والمناصب لم يحقق أي أمر إيجابي. إذ حملت الأشهر اللاحقة تطورات سيئة لم تعرفها البلاد منذ عقود. فخلال هذه الفترة بدأ الإرهاب, الذي ظن أردوغان أنه بمنأي عنه, يضرب المدن التركية في القلب, وعرفت إسطنبولوأنقرة اعتداءات مروعة, وبموازاة ذلك اندلعت الحرب بين الدولة التركية والأكراد, وأصبحت مرشحة للتصاعد, ولم يتورع بعض المراقبين الأتراك عن التحذير من مصير سيئ ينتظر بلادهم في ظل التوترات المتفجرة داخليا, وبسبب اصطدام سياسات أردوغان الإقليمية والدولية بفشل ذريع بدأ يرتد عليه. وأول الفشل من سوريا حيث كان حزب العدالة والتنمية يراهن علي إسقاط نظام بشار الأسد, ليكتسب هيمنة إقليمية يناطح بها قوي أخري, ولكن من نكد المفاجآت غير السارة, لم يتحقق شيء من ذلك لأردوغان أو لحزبه. وأكبر تلك المفاجآت, حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في سوريا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي, وما جرته من ويلات اقتصادية وأمنية علي الأتراك. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الإخفاق علي أنقرة, ويخلط أمامها جميع الأوراق, ليكتشف الأتراك أن المقامرات التي خاضها أردوغان في السنوات الأخيرة عادت بالخسران المبين, وما زالت الخسارات تتوالي, لأن الرهانات لم تبن علي أسس واقعية, ولم تأخذ في الحسبان حسابات الآخرين ومصالحهم, وقد يكون فات أوان التدارك بعدما انفجر الوضع الداخلي بالصورة التي هي عليه اليوم. استقالة أوغلو, الذي يوصف بأنه منظر حزب العدالة والتنمية وواضع سياسته الخارجية, ربما ستفيد أردوغان في المدي القريب, ولكنها لن تضمن له استعادة أمجاده الأولي, عندما تولي زعامة الحزب, وصنع به طفرة تنموية لا تنكر, ولكن سوء التقدير والغرور غالبا ما يقود إلي نهاية مدوية, خصوصا إذا فقد أقوي رجاله, وهذه النتيجة تكاد تكون حتمية في فلسفة الحكم والسياسة. وقد يتمكن أردوغان بعد المؤتمر الاستثنائي لحزبه هذا الشهر, من إحكام قبضته علي السلطة, وقد يتمكن من تعديل الدستور, وينقل جميع الصلاحيات التنفيذية إلي رئاسة الجمهورية, مثلما كان يخطط ويحلم. ولكن علي المدي المتوسط, أي إلي حين إجراء انتخابات تشريعية بعد أربع سنوات, ستكون هناك مطبات أخري لن تعبرها تركيا بسلام, إذا استمرت في عين العاصفة, ولم تغير مسارها وفق سياسة جديدة تتلاءم مع الواقع محليا وإقليميا.