واجهت الدولة المصرية ذات الاقتصاد الزراعي موجات من الهجرة الريفية الي المدينة, نتيجة لانهيار البني التحتية الزراعية في الريف ودون كفاية الآليات لدمج النازحين من الريف والصعيد في حياة المدينة. ولايزال تدفق المهاجرين الريفيين يقود الي الازمات الاقتصادية والتي تعطل تكامل مجتمع المدينة المتحضر. ويمكن تعريف مفهوم التحضر بأنه يشير الي معدلات زيادة عدد سكان المدن. بينما يشير مفهوم الحضرية الي ثقافة أهل المدينة من حيث علاقاتهم وقيمهم ومعاييرهم وادوارهم الاجتماعية وغيرها, والتي تفرضها ظروف عيشهم المشترك ضمن إطار المدينة الواحدة. حيث يستدعي التحضر استبدال العلاقات الأولية في الريف بعلاقات ثانوية واضعاف روابط القرابة وتدهور الأهمية الاجتماعية للأسرة واضمحلال الجيرة وتقويض الأسس التقليدية للتضامن الاجتماعي. إنه من الواضح في مصر ان تطور المدينة في مصر يختلف عن تطور المدينة في بلدان أخري. حيث لم تؤد معدلات التحضر الي الحضرية بالضرورة! بل الي تراجع بعض نماذج الحضرية السائدة امام ثقافة الريف والصعيد الوافدة. وذلك بسبب غياب التطور والتقدم الصناعي المطلوب لاستيعاب معدلات الهجرة الوافدة. وقد أدي ذلك الي نشأة مفهوم التحضر المفرط, وهو يعني الزيادة السريعة لنمو السكان الحضريين دون ان يرافق تلك الزيادة تطور الاقتصاد الصناعي. وهو ما يؤدي تلقائيا الي انحطاط الخدمات الحضرية وتفشي البطالة والفقر والانحراف الاجتماعي. والاضطرابات السياسية والثقافية ومشاكل الزحام. وقد نشأ أيضا( مفهوم المدينة) الأولي أي تركز التحضر في مدينة واحدة او مدينتين وهي في حالة مصر مدينتا القاهرة والاسكندرية. حيث غالبا ما تضم المدينة الاولي دواوين الحكومة المركزية والجامعات والمراكز الدينية وغيرها. إن مشكلة التحضر تجري بشكل أسرع من تنامي معدلات التصنيع في تلك المدن فالمدينة تجتذب السكان بشكل أسرع من قدرتها الاقتصادية علي توفير فرص عمل والمساكن والصرف الصحي والخدمات الاساسية الأخري. إن فهم ابعاد ومستويات التحضر في مرحلته الراهنة سوف يتيح بالتأكيد تفسير عدد من القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. وفي ظل مناخ ازدياد معدلات التحضر المتسارع تحتل المدرسة مكانة مرموقة في عملية التنشئة الاجتماعية اذ يأتي دورها من حيث الاهمية بعد تأثير الاسرة. حيث تكمل دور الاسرة في التنشئة الاجتماعية وعلي خلاف الاسرة التي تعامل الطفل وفق معايير خاصة, فان المدرسة تعامله كما سيعامله المجتمع في المستقبل وفق معايير شمولية. وهكذا يصبح التعليم آلية صالحة لاختيار الافراد لأدوارهم في المستقبل. حيث يقوم التعليم بنقل قيم المجتمع ومعاييره من جيل الي اخر, وبهذا فانه يوفر نوعا من التماثل بين ابناء المجتمع الواحد الذي لا يمكن للمجتمع من دونه الاستمرار والبقاء. لكن مكانة التعليم قد تزعزعت عندما ضربت الازمة الاقتصادية والبطالة الاقتصاد وتشبع سوق العمل المصري والعربي بالعمالة خاصة من ذوي المهارات العالية كما ان البطالة قد اصابت الشباب وعرقلت اندماجهم في المجتمع. وإذا اخذنا في الحسبان اعتماد الهجرة الريفية علي الشباب فسنجد ان نظم التعليم السائدة قد ساعدت علي انعزال الشباب عن بقية المجتمع واخذت تظهر بينهم سمات ثقافية مستحدثة كمحاولة لحل المشاكل التي سببتها التناقضات الاجتماعية. وتتجلي ملامح ثقافة الشباب في سوء التكيف مع بقية افراد المجتمع ومعاناتها من اليأس وخيبة الامل والاستغراق في الماضي ورفض الجديد. وعندما يفشل التعليم كوسيلة للارتقاء الاجتماعي تجد اعدادا كبيرة من الشباب تعاني من غربة بين ما يتعلمونه وبين ما ينتظرهم من مستقبل غامض يستدعي مزيدا من الانتباه من القيادة السياسية!