بعد أن نقل الرئيس حسني مبارك سلطاته إلي نائبه عمر سليمان مساء الخميس10 فبراير ظهر العديد من الشباب الذين كونوا بعد ذلك ما عرف ب إئتلاف الثورة ليقولوا علي الفضائيات المختلفة: لقد قمنا بثورة ترفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام ورحيل الرئيس, لذلك لابد أن يرحل الرئيس ويسقط النظام. وقبلها بعدة أيام كان الشباب والقوي السياسية المختلفة يدعون الجيش للتدخل وإقالة الرئيس وتسلم السلطة لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر, يجري خلالها تعديل الدستور, وحل مجلسي الشعب والشوري, وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف قضائي كامل. وبدا أن هذا هو شكل التغيير المعتمد لدي من في التحرير أو في الساحات والميادين الأخري, وحتي القوي السياسية المختلفة, ما بدا منها من25 يناير علي خجل, أو من انضم الجمعة28 يناير, أو ممن التحق بعد ذلك بالشارع مزايدا بقوة أملا في انتزاع نصيب من النصر المقبل. لكن الغريب أنه حين تولت القوات المسلحة إدارة المرحلة الانتقالية, ارتبك الثوريون جميعا, واختلفت المطالب, ففي حين شرع المجلس الأعلي للقوات المسلحة في التنفيذ الأمين لمطالب المحتجين: تعطيل الدستور, وتشكيل لجنة محايدة لتعديله, وحل مجلسي الشعب والشوري, والإعداد للاستفتاء علي التعديلات الدستورية, تمهيدا لإجراء الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية في الفترة الانتقالية المحددة, سرعان ما تغيرت مطالب القوي المشاركة, وأصبح هناك من يري تعديل الدستور بالكامل, ومن يري البدء بالانتخابات الرئاسية أولا, ومن يري إطالة زمن الفترة الانتقالية لإتاحة الفرصة للأحزاب والقوي السياسية المختلفة حتي تنتشر في الشارع وتستعد للانتخابات, خشية أن تحدث ثورة مضادة تؤدي إلي عودة رموز قديمة من خلال الانتخابات التشريعية. مشكلة القوي السياسية في مصر ليس أنها غيرت مواقفها ثلاث مرات في شهر واحد, من إصلاح من داخل النظام, إلي إسقاط النظام وإصلاح يديره الجيش, إلي تمديد الفترة الانتقالية والمشاركة في حكم البلاد, وإنما المشكلة الكبري هي أن القوي السياسية في هذا البلد في الغالب الأعم ليست لها رؤي شاملة لمستقبل الوطن, وإدارة أمور الحكم فيه, ووضع نفسها في إطار يسمح للجماهير باختيارها, لذلك كلما تقدمنا خطوة إلي الأمام تحاول إعادتنا خطوات إلي الخلف, لأنه في الغالب لا تملك هذه القوي رؤي واضحة للتعاطي مع ما تطالب به. المشكلة الأكبر في هذا السياق أن تأجيل وتوتير المرحلة الانتقالية يؤدي إلي حالة من الضبابية السياسية, تنتقل إلي برامج التوك شو الليلية علي مختلف الفضائيات, لتصنع حالة من عدم الاستقرار المعيشي لدي الناس, الذين أصبحوا غير واثقين مما يحمله المستقبل لهم. وقد يبدو الأمر راجعا في جزء منه إلي أن القوي السياسية المعارضة في مصر لم تكن مستعدة لما حدث من تغيير في الخامس والعشرين من يناير, وهي مثل النظام السابق الذي فوجئ بحركة الشارع ولم يستطع التعامل معها, وأخطأ كثيرا, وتأخر أكثر من مرة في اتخاذ القرارات وردود الأفعال, بل وتبدو القوي السياسية أبطأ أيضا ليس من حركة الشارع, بل ومن حركة الجزء الحاكم من النظام السياسي, لدرجة أنه حين انهار وخرج من الصورة, لم يكن الجزء المعارض من النظام السياسي جاهزا, بل ربما أبطأ من حركة النظام السياسي الحاكم البطيئة جدا. صحيح أن الشارع الذي هتف بسقوط النظام كان يستهدف الجزء السياسي الحاكم منه, ولم يستهدف القوي المعارضة, لكن يجب الانتباه أيضا إلي أن التنظيمات السياسية الشبابية التي تشكل ائتلاف شباب الثورة الاشتراكيين الثوريين, حركة كفاية, كلنا خالد سعيد, شباب الجبهة الوطنية للتغيير, وشباب أحزاب الجبهة والغد يبدو أنها جاهزة أيضا ولم تتوقع انهيار القيادة السياسية, وعانت مثله ومثل المعارضة السياسية المجهدة والتائهة التي لا تعرف حتي هذه اللحظة ما تريد.