الإسلام لا يهتم بمظاهر العبادات فقط, ولكن اهتم أيضا بما ينفع الناس ويعود عليهم بالنفع والخير, وذلك عن طريق تقديم العون والمساعدة, وكل ما يستنفع به وجعل لذلك فضلا عظيما وأجرا كبيرا والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الشريف من أدخل علي أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة وحذرنا القرآن الكريم تحذيرا شديدا من منع الماعون, وجعل مانعه مكذبا بيوم الدين, وتوعده الله سبحانه وتعالي بالويل وهو واد في جهنم بعيد قعره لو سيرت فيه جبال. الدنيا لذابت من شدة حره. وتقول الدكتورة عفاف النجار أستاذ التفسير بجامعة الأزهر إن الماعون عرفه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو ما يتعاوره الإعارة الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك, ويدخل فيه الملح والماء والنار حيث روي ثلاثة لا يحل منعها الماء والملح والنار. وقيل الماعون اسم لما يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني وينسب مانعه إلي سوء الخلق, وعدم المعاونة, والعلاقة بين هذه الآية ويمنعون الماعون والتي قبلها وهو قوله تعالي فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون. والذين هم يراءون أي لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا المعاملة مع خلقه حتي ولا بإعارة ما ينتفعون به أو يستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم, وفي هذه الآية الكريمة دعوة للرحمة بين الناس, وأن الدين ليس دين مظاهر وطقوس ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله تعالي. ويقول الشيخ صلاح زاهر مدير عام أوقاف ميت غمر أصل الماعون مأخوذ من المعن وهو القليل وأصله من القلة والمعن الشيء القليل. فسمي الله تعالي الزكاة والصدقة من المعروف ماعونا لأنه قليل من كثير, وقيل ما لا يحل منعه كالماء والملح والنار. وقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال صلي الله عليه وسلم, الماء والنار والملح. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها. هذا الماء فما بال النار والملح؟ قال يا عائشة من أعطي نارا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار. ومن أعطي ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ به ذلك الملح, ومن سقي شربة من الماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق ستين نسمة. ومن سقي شربة من الماء حيث لا يوجد فكأنما أحيا نفسا, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا أخرجه ابن ماجه, وقال بعض العلماء إن الماعون كالأمتعة, وما يتعاطاه الناس بينهم كالفأس والأنير ويمنعون الماعون أي يمنعون الناس منافع ما عندهم, وأصل الماعون هو كل شيء يستنفع به وفي هذه الآية الكريمة زجر للبخلاء بهذه الأشياء القليلة, وأن هذه الآية الكريمة نزلت في العاص بن وائل السهمي, وكذلك أبو سفيان بن حرب كان ينحر كل أسبوع جزورين. فأتاه يتيم فسأله أن يعطيه شيئا من لحم الجذور فضربه بعصا. فأنزل الله تعالي هذه الآية الكريمة ويمنعون الماعون. وقيل إن الماعون هو الزكاة التي فرضها الله علي الأغنياء. ويوضح زاهر أن فضل قضاء حوائج الناس عظيم قال تعالي يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون سورة الحج وقال عليه الصلاة والسلام من أدخل علي أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة رواه الطبري. وجاء رجل إلي رسول الله. وقال يارسول الله أي الناس أحب إلي الله تعالي؟ فقال: أحب الناس إلي الله أنفعهم للناس, وأحب الأعمال إلي الله تعالي سرور تدخله علي مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو يطرد عنه جوعا. ويشير زاهر: إلي أن الله تعالي خلق المعروف وخلق له أهلا فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله ووجه إليهم طلابه قال صلي الله عليه وسلم إن هذا الخير خزائن, ولتلك الخزائن مفاتيح فطوبي لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر, وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير, وقال صلي الله عليه وسلم صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة الخفية تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر, وكل معروف صدقة, وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة, وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة, وأول من يدخل الجنة هم أهل المعروف فهنيئا للذين يسر الله لهم خدمة الناس والسعي في مصالح العامة. فهذه الحاجات التي توجه إليهم من الخلق نعم قد أنعم الله بها عليهم, وشكر النعمة يستوجب منهم أن يبذلوا كل جهد في قضاء ما جعلهم الله له مفاتيح وأسبابا. أما من منع تلك المساعدة أو مل منها نزع الله منه تلك النعم فحولها إلي غيره, قال عليه الصلاة والسلام إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم فيها عما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلي غيرهم. وقد توعد الله تعالي الذين يمنعون الماعون بالويل وهو واد في جهنم بعيد قعره لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره. ومنع الماعون من صفات المنافقين. قال تعالي وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالي ولا ينفقون إلا وهم كارهون سورة التوبة. وقد وعد الله تعالي المنافقين بالدرك الأسفل من النار قال تعالي إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا. ويقول الشيخ حمادة إسماعيل محمد من علماء الأوقاف إن أداء الماعون نوع من التعاون بين المسلمين, ونحن مأمورون بأن نتعاون فيما بيننا علي البر والتقوي. قال تعالي وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان. وقد حثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي ذلك عندما قال في الحديث الشريف من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أن أحب الناس إلي الله تعالي أنفعهم للناس ولما سئل عليه الصلاة والسلام ما أحب الأعمال إلي الله تعالي. قال: سرور تدخله علي مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا, ولئن أمشي مع أخي في حاجة حتي أقضيها له خير من أن أعتكف في المسجد شهرا. ويشير إسماعيل أن محمد بن الحنفية يقول صانع المعروف لا يقع, وإن وقع لا ينكسر, ومما يجب الإشارة إليه علي من يستعير الأشياء من الناس مثل الأمتعة والأدوات المختلفة أن يحافظ عليها, وأن يردها في الوقت الذي وعد به أو بعد قضاء حاجته, ولا يماطل في ردها لأنها أمانة عنده والله تعالي أمرنا بأداء الأمانة في قوله تعالي إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها, ويقول الإمام الشافعي في الحض علي صنع المعروف, وعلي قضاء حوائج الناس. وأفضل الناس ما بين الوري رجل تقضي علي يديه للناس حاجات لا تمنعن يد المعروف من أحد مادمت مقتدرا فالأيام تارات واشكر فضائل صنع اليد إذ جعلت إليك لا لك عند الناس حاجات قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات