أدهشت روسيا العالم مرتين أولا عندما أعلنت أنها ستسحب معظم قواتها من سوريا, وثانيا عندما نفذت هذه الخطوة لتترك الكثير من الدول في حيرة من أمرها تتساءل لماذا أقدمت موسكو علي هذه الخطوة, ولماذا تبدو الآن أكثر تعاونا مع المجتمع الدولي بشأن إحلال السلام في سوريا؟ ذكر موقع( سي إن بي سي) الإخباري أن القرار الروسي بسحب معظم القوات من سوريا يأتي بعد أشهر من إثارة موسكو لاحتجاجات الغرب بشأن دعمها للنظام السوري من خلال العمل العسكري الذي استهدف تنظيم( داعش) والتنظيمات الإرهابية داخل سوريا. وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن روسيا بدأت في سحب معداتها العسكرية من سوريا إلا إنها قالت أنها غير قادرة علي التعليق بينما أشار نائب وزير الدفاع الروسي في وقت لاحق أن القوات الجوية الروسية سوف تستمر في الضربات الجوية ضد الإرهابيين في سوريا مما دفع بالغموض مرة أخري حول مدي الانسحاب الروسي من سوريا. لقد أعلن الكرملين أن جزءا كبيرا من البنية التحتية الروسية ستبقي علي حالها في سوريا بما في ذلك القواعد الجوية في طرطوس واللاذقية إلا أن موقع( سي إن بي سي) يتوقع انخفاضا في الأصول العسكرية التي من شأنها أن تحد من القدرات العسكرية الهجومية الروسية في سوريا. وذكر محللون سياسيون للموقع الإخباري أن السبب الرئيسي للانسحاب الروسي من سوريا هو رغبة موسكو في تحسين صورتها السلبية علي الساحة العالمية بينما تقود الأممالمتحدة محادثات السلام التي تهدف لإنهاء الحرب الأهلية السورية التي دامت خمس سنوات في معركة معقدة بين الرئيس السوري بشار الأسد ومتشددي( داعش) والجماعات المتمردة وجميعهم يسعون للسيطرة علي البلاد. لقد حقق بوتين هدفا رئيسيا من خلال دعمه للرئيس السوري بشار الأسد, ونجح في إنهاء المناقشات الغربية التي كانت تسعي لإبعاد الأسد عن السلطة بالقوة, وفي نفس الوقت يضغط بوتين من خلال انسحابه من سوريا علي الأسد من أجل الانخراط في محادثات السلام في جنيف للتوصل لاتفاق لتقاسم السلطة علي المدي القريب والإصلاح الدستوري علي المدي الطويل إلي جانب إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في البلاد حيث يقاوم الأسد بعض هذه الأهداف. وفي الوقت الذي رحبت فيه الأممالمتحدة والمعارضة السورية بخطوة الانسحاب الروسي كانت تصريحات البيت الأبيض تتشكك في القرار الروسي حيث أكد أن علي أمريكا الانتظار لتقييم نوايا روسيا الحقيقية بينما أكد مسئولون أمريكيون أنهم ليس لديهم علم مسبق بانسحاب روسيا من سوريا. وظل الغرب ينظر للتدخل الروسي في سوريا علي أنه حجر عثرة في طريق إحلال السلام في البلاد. ولم يعرف حتي الآن ما إذا كان الانسحاب الروسي سيغير موقف الاتحاد الأوروبي من العقوبات التي تقيد التجارة مع موسكو أم لا. وتوقع المحللون أن يؤثر الانسحاب الروسي علي قرارات الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات المفروضة علي روسيا في وقت لاحق خلال العام الحالي أو خلال العام القادم. ومن جانبها سعت الحكومة السورية للتقليل من أهمية انسحاب روسيا من البلاد قائلة أن هناك تفاهما متبادلا بين الأسد وبوتين من شأنه استمرار دعم روسيا للجيش والنظام السوريين. وكما ذكرت صحيفة( نيويورك تايمز) الأمريكية فإن قرار بوتين بالانسحاب من سوريا يضعه في الصدارة, ويترك الجميع في حالة ترقب ليصبح صانع القرار الرئيسي في سوريا اليوم روسيا ورئيسها بوتين. وذكرت الصحيفة أن بوتين يتلذذ بالمفاجآت, ويعزز من خلال ذلك صورة روسيا باعتبارها ذات ثقل عالمي سيادي. وفسر أليكس ماكاركين نائب مدير مركز القضايا السياسية في موسكو الانسحاب الروسي من سوريا قائلا إنه إذا ما واصلت روسيا اعتمادها علي الأسد سيجعلها ذلك تصطدم مع لاعبين آخرين علي الصعيد العالمي بشكل مباشر. ونقلت الصحيفة عن محللين سياسيين قولهم إن بوتين حقق معظم أهدافه في سوريا وهي: إحباط المحاولة الغربية للضغط من أجل تغيير القيادة السياسية في سوريا ومحاربة فكرة الحكومات الخارجية لفرض التحولات السياسية في البلاد. وإظهار أن روسيا حليف يمكن الوثوق به أكثر من واشنطن بالنظر إلي أن إدارة أوباما تخلت عن حلفائها مثل الرئيس السابق حسني مبارك عندما واجه ثورة عارمة علي حد وصف الصحيفة. واستعادة روسيا لدورها في الحقبة السوفيتية كعنصر فاعل مهم في منطقة الشرق الأوسط, وأرغم بوتين الغرب علي احترام بلاده كدولة رائدة في العالم. وكذلك تحظيم العزلة التي حاولت أمريكا أن تفرضها علي موسكو في أعقاب أزمة أوكرانيا, مع صرف انتباه العالم عن الحرب في أوكرانيا إلي جانب إنقاذ ما يقدر بنحو3 ملايين دولار التكلفة اليومية للعمليات العسكرية الروسية في سوريا. وإظهار فاعلية جيل جديد من الأسلحة الروسية التي ظهرت في ميدان المعركة في سوريا حيث تعد موسكو ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. ونقلت( نيويورك تايمز) عن فلاديمير فرولوف الخبير الروسي في العلاقات الدولية قوله: اتضح من خلال هذه الخطوة أن روسيا ظهرت كقوة عالمية يمكنها وقف الحرب, وأهم النتائج السياسية وراء ذلك عودة التعاون بين روسياوأمريكا والاتحاد الأوروبي. وأضاف أن بوتين يريد أن يؤكد أن روسيا تعمل بمفردها, ويمكنها اتخاذ قراراتها بشكل مستقل تماما. كما نقلت الصحيفة عن الكسندر موروزوف المحلل السياسي الروسي قوله إن موسكو ساعدت النظام السوري علي استعادة400 بلدة ونحو4000 ميل من الأراضي. وأضاف أن روسيا تظهر للاتحاد الأوروبي من خلال قرار الانسحاب أنها شريك السلام الذي لا يستحق العقوبات الاقتصادية التي تمنع وصول روسيا للأسواق الغربية التي أصبحت في حاجه ماسة إليها بينما كانت الحرب السورية تغذي أزمة اللاجئين التي تصدرت لأوروبا.