اليابان أكثر دولة في العالم بها مسنين حيث إن ربع سكانها تتخطي أعمارهم65 عاما( متوسط عمر الياباني حاليا هو80 عاما للذكور و87 للإناث) وهو الأمر الذي يجعل هناك حاجة متزايدة لرعاية المسنين. لكن صغر حجم الأسرة اليابانية وكدح الأبناء في العمل وعدم توفر خدمة التمريض المنزلي يجعل من الصعب الاعتناء بالأهل من المسنين. هنا تفتق ذهن المجتمع الياباني أن الحل سيكون في الممرضة الآلية( الروبوت) وبالفعل قدمت وزارة الاقتصاد اليابانية منحا مالية لمجموعة مختارة من الشركات المتخصصة لحثهم علي تطوير الممرضة الآلية التي يمكنها الاعتناء بكبار السن ومساعدتهم في النهوض من الفراش والتجوال وتلبية طلباتهم وتسليتهم. هنا يطرح سؤال مهم نفسه: هل يمكن أن تتكون علاقة ود حقيقية بين المسن والممرضة الروبوت؟ وهل مثل هذه العلاقة في مصلحة المجتمع أم أنها قد تساهم في عزل الأهل والأجداد عن جيل الأبناء؟ في كتابه الشيق: الصناعات المستقبلية, يطرح المؤلف أليك روس فكرة جديرة بالالتفات وهي التأثير الثقافي علي درجة القبول للروبوت والتفاعل معه. طبقا للمعتقدات اليابانية( وكذا الصينية والكورية) فالجماد مثل البشر له روح, وهذا عكس الديانات السماوية التي لا تعتقد بذلك. لذلك في الثقافة اليابانية يمكن بسهولة قبول الروبوت كعضو في المجتمع بدون خوف وعلي النقيض الخوف من روبوت خارج السيطرة( فرنكشتاين آلي) هاجس يتكرر كثيرا في الأدب الغربي, وربما هذا يفسر لنا لماذا اليابان هي أكثر دولة منتجة للروبوت( حاليا يوجد حول العالم1.4 مليون إنسان آلي وريعهم في اليابان), يلي ذلك الولاياتالمتحدة ثم ألمانيا والصين وكوريا ومن المتوقع أن يهيمنوا علي تلك الصناعة لفترة طويلة قادمة. يخبرنا أليك روس أيضا أن الموجة الأولي من الروبوت هي علي الأبواب وستوظف للقيام بالأعمال الخطرة أو اليدوية غير المرغوب بها( تسليك المجاري, أعمال النظافة, الرعاية), لكن مع الوقت ستبدأ الموجة الثانية في الظهور وستكون روبوتا قادرا علي القيام بأعمال تحتاج مهارات شخصية ودرجة عالية من الإدراك والحكمة, وبالتالي سيتمكن من شغل بعض الوظائف التي يشغلها الآن جامعيون. الموجة الثالثة( بعد بضعة عقود) ستكون روبوت فائق القدرات والسبب أنه سيكون وراءها ثلاث تكنولوجيات حديثة: أولاها ما يطلق عليه الاعتقاد الفضائي وهي خاصية ستتيح للروبوت مضاهاة الذكاء البشري في الفهم والوعي بالفراغ الذي يتحرك بداخله, وبهذا سيمكنه التفاعل مع البيئة المحيطة به تماما كما البشر. وثانيتهما ما يطلق عليها السحاب الروبوتي وهي خاصية ستتيح للروبوت أن يتصل شبكيا مع باقي أفراد المجتمع الروبوتي, وبذلك يمكنه الاستفادة من معلومات وخبرات غيره من الروبوت( تخيل بالمثل لو يمكنك علي المستوي البشري قبل اتخاذ قرار ما إمكانية أن تتواصل مع خبرات جميع البشر الآخرين علي الكوكب). أما التكنولوجيا الثالثة فهي التقدم الفائق في علوم المواد, والذي سيتيح تصنيع روبوت من مواد تجعله يشبه البشر حتي أنه لن يمكنك بسهولة معرفة الفرق. وبالتوازي مع علوم أخري سيمكن تصنيع أحجام مختلفة ابتداء من روبوت صغير علي مستوي النانو( أصغر كثيرا من حبة الرمال) يمكنه علاج الأمراض علي مستوي الخلايا داخل الجسد البشري وآخر عملاق بطول مبني من عدة طوابق يمكنه العمل في التشييد. من المؤكد أننا لا نزال في الصفحة الأولي من كتاب ضخم فالروبوت الآن يبدأ نفس المرحلة التي بدأها الهاتف الجوال والإنترنت منذ عقدين من الزمان. ولا تسألني أين نحن في بلادنا من تلك التكنولوجيات؟