أثار اكتساح دونالد ترامب, بليونير العقارات الأمريكي, الانتخابات الأولية في عدد من الولايات كمرشح للحزب الجمهوري في سباق الرئاسة قلق كثيرين من قادة هذا الحزب. فبدا وكأن هؤلاء استيقظوا فجأة ليحذروا من أن الحزب العظيم الذي تأسس علي يد ايراهام لونكلن يوشك أن ينهار علي يد ترامب. وحتي عندما خرج مت رومني مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة الماضية في واحد من أقوي خطبه ليعلن أن ترامب محتال ومدع, لم يؤثر ذلك كثيرا في تقدم ترامب. وهو لايكف علي مدي أكثر من سبعة أشهر عن سب منافسيه وتوعد المهاجرين, يردد أقوال موسوليني الفاشستي باعتبارها الحكمة البالغة ويرفض إدانة جماعة كوكلوكس كلان العنصرية الإرهابية. ينتقده بابا الفاتيكان ضمنا, ويصرح الرئيس أوباما باعتقاده بأن ترامب لن يكون رئيس أمريكا القادم, فترتفع شعبيته أكثر فأكثر. وقد بذل المحللون جهدهم لفهم ظاهرة ترامب, الذي رغم سذاجة رؤاه الاقتصادية وجهله ببديهيات السياسة الخارجية ووعوده الانتخابية الفارغة, صار قاب قوسين من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري أو تدميره. البعض يلقي اللوم علي الناس الذين يجدون أداءه وتصريحاته أكثر إثارة وإمتاعا من برامج تليفزيون الواقع. ويري آخرون أن السبب يعود لفشل القادة الديمقراطيين والجمهوريين في تلبية احتياجات الطبقة المتوسطة. وأن تأييد الناخبين لترامب يعكس عدم ثقتهم في السياسيين المحترفين والرغبة في معاقبتهم. وفي أوروبا يري كثيرون أن ترامب ليس حالة فردية, بل رمز لمرحلة تبدو الغلبة فيها للزعماء الشعبويين الذين يتبنون الخطاب ذاته ويعتمدون في حشد مؤيديهم علي إثارة المخاوف وبث الكراهية. وفي هذا الصدد وصفت مجلة دير شبيجل الألمانية ترامب بأنه أخطر رجل في العالم. وفي تطور ينطبق عليه القول الأمريكي الدارج فعل هزيل جدا جاء متأخرا جدا قررت شخصيات مؤثرة في دنيا المال والأعمال رصد ملايين الدولارات لتمويل حملة تستهدف إسقاط ترامب من خلال توعية مؤيديه بخطورة اختياره رئيسا. وهو تصور ساذج إلي حد بعيد. فمؤيدو ترامب يدركون جيدا مواقفه كسياسي; فهو يكره الأجانب ويؤمن بتفوق الجنس الأبيض ولايبالي بأبسط قواعد تحضر المجتمعات. مؤيدوه لاتزعجهم تصريحاته العنصرية أو المعادية للأديان, بل هي تعبر عن آراء ظلوا يكتمونها طويلا حتي جاء ترامب ليعلنها علي الملأ بدون خجل أو تحفظات. كان المراقبون يقولون إن ترامب الليبرالي يجنح إلي التشدد كي يكسب تأييد اليمين المحافظ في الحزب الجمهوري. وأنه بعد أن يضمن ذلك سيتجه عائدا إلي الوسط إلي حيث ينتمي السواد الأعظم من الناخبين. لكن التأييد الشعبي الجارف الذي حظيت به آراؤه المتطرفة ينذر بأن أفكاره لا تعبر عن أقلية, بل ويمكن أن تنتقل بالعدوي إلي قطاعات أخري. ولنأخذ مثالا علي ذلك كراهيته للمهاجرين وهي نزعة مستغربة في بلد قام أصلا علي استيعاب المهاجرين. ففي الأسبوع الماضي عندما جرت مباراة لكرة السلة في مدرسة أغلبية طلابها من أصول مكسيكية, قام الطلبة المشجعون من المدرسة الأخري, وهم من الأمريكيين البيض المناصرين لترامب, برفع صورته هاتفين ابن الجدار إشارة إلي اقتراحه بناء جدار علي طول حدود أمريكا مع المكسيك. وهو مشهد مخيف ينذر بالتأثير المحتمل لأفكار ترامب علي مستقبل البلاد. لكن الأمر لم يحسم بعد, فمازالت الكرة في ملعب الناخبين من غير مؤيديه. ويستطيع هؤلاء وقف تقدمه إذا كانوا يؤمنون حقا بأن بلادهم تستحق رئيسا أفضل من ترامب.