تقف قبالته فتدرك سريعا أنك أمام مبني أثري حيث يتخطي عمره المائة عام أو يزيد, يثيرك الفضول للتعرف علي هذا المكان وكيف كان يبدو قبل أن يترك الإهمال والنسيان بصماته عليه, تبحث عن مجيب لأسئلتك ولا تجد سوي لافتة قديمة أكلها الصدأ لا تدل علي شيء, تلجأ إلي السبيل الوحيد وتسأل المارة والأهالي ليخبروك أنه احمام المصريب آخر الحمامات الأثرية والمسجل بوزارة الآثار في منطقة المنشية وسط الإسكندرية. وعلي الرغم من الحالة السيئة التي وصل إليها احمام المصريب إلا أنه أفضل حالا من حمامات أخري لم تسجلها االآثارب وظلت في حيازات خاصة, فتحول عددا منها إلي أطلال وطمست معالمها ومنها حمامات كوم الدكة وحول المسرح الروماني, كما تعدي المقاولون علي عدد آخر منها كحمام الورشة والشيخ إبراهيم وقاموا بالبناء مكانهما وأصبح أهالي الإسكندرية لا يعرفونهما فحمام الورشة الذي كان معلما للمكان حيث كنت تسأل أي فرد ذاهب إلي هذه المنطقة فيقول لك إني ذاهب إلي حمام الورشة. وعرفت الإسكندرية الحمامات العامة منذ331 ق.م علي يد الإسكندر الأكبر وخلال العصور الهلينستية والرومانية, ولعبت في العصور الإسلامية دورا بارزا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلا أن عددها انحسر بانحسار السكان والعمران في المدينة, حتي إنه في أواخر العصر العثماني أصبح عددها لايتعدي أصابع اليد الواحدة طبقا لتقدير اجرتيان لوبيرب أحد علماء الحملة الفرنسية.1798 وأدي نمو المدينة في القرن التاسع عشر وزيادة السكان والامتداد العمراني إلي زيادة عدد الحمامات العامة بشكل ملحوظ, ولكنها ارتبطت فقط بمناطق الإعمار الجديدة في وسط المدينة االمدينة القديمة, ومن الغريب عدم انتشارها في المنطقة المأهولة والتي عرفت باسم المدينة التركية احي الجمرك حالياب وفي الغالب لأن هذه المدينة لم يكن من السهل تغذيتها بالمياه, كذلك لم يعرف وجود حمامات عامة بمنطقة الرمل ما عدا حمامات البحر, والتي بدأت تنتشر نتيجة ازدياد أعداد الجاليات الأجنبية واستخدامها لحمامات البحر كإحدي وسائل الترفيه. ويقول أحمد عبد المنعم, باحث في مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط التابع لمكتبة الإسكندرية, إن الحمامات كانت تنشأ بهدف التطهر والاستحمام والنظافة, كما أنها منتدي إجتماعي وإقتصادي وسياسي يلتقي فيه الأصدقاء يناقشون الموضوعات المختلفة ويتبادلون وجهات النظر في الأمور السياسية والأحداث اليومية, وكان يستخدم في بعض الأحيان لتصفية الخلافات والصراعات السياسية بين بعض الأمراء وتنفيذ الاغتيالات السياسية. وتابع اوكان بمثابة مركز تجميل, ومؤسسة صحية إذ له دور كبير في علاج كثير من الأمراض وبصفة خاصة الأمراض الجلدية كالجرب والبرص, بالإضافة إلي دوره غير المباشر في نظافة الحي فكان يتم جمع القمامة في الحمام لاستغلالها كوقود لتسخين مياه الحمامب. وأشار اعبد المنعمب إلي أن التردد علي الحمامات كان مفتوحا لكلا الجنسين الرجال والنساء, علي الرغم من الجدل الذي دار بين الفقهاء حول حرمه ذهاب النساء إلي الحمامات, وكانت بعض الحمامات تخصص أوقاتا للرجال وأخري للنساء. وأضاف اوالبعض الأخر كان يخصص أياما بعينها للرجال وأخري للنساء, وتوضع ستاره من الجوخ علي مدخل الحمام تعلن متي يكون مفتوحا للنساء, وعندئذ يغادر كل الخدم الذكور وتحل محلهم خادمات, ولا يسمح بالتواجد داخل حمامات النساء إلا فقط لمنشدين عميان ومسنين, هذا بالنسبة للحمامات المفردةب. وتابع اأما الحمامات المزدوجة فقد كانت تضم قسمين أو حمامين متلاصقين أحدهما للرجال والأخر للنساء, ولكل واحد منهما مدخله الخاص ووحداته المعمارية المنفصلة فيما عدا المستوقد فإنه غالبا ما يكون مشتركا بين الحمامينب. وأوضح إن الحمام يتكون من4 أجزاء, القسم الأول عبارة عن المسلخ أو المشلح ويضم أماكن لخلع الملابس ومساطب لجلوس المستحمين ومكانا لجلوس معلم الحمام ويتوسطه نافورة للمياه البارد, أما القسم الثاني فيلي المسلخ ويعرف باسم ابيت أولب وحرارته متوسطة معتدلة وتشتمل علي أواوين ومساطب, وغالبا ما يكون بها دورات للمياه. واستطرد: أما القسم الثالث فكان يعرف باسم ابيت الحرارةب ووهي أشد أجزاء الحمام حرارة وبخارا وفي وسطه نافورة ماء ساخن, ويشتمل علي المغاطس التي تستخدم في الاستحمام, وأخيرا المستوقد ويوضع في الطابق الأول من أسفل قدور الفول لينضج والطابق الثاني ابيت النارب وهو ملاصق لخلوة الغطس لرفع درجة حرارة جدرانها. ويصف الدكتور محمد عوض, رئيس لجنة حفظ التراث وأستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإسكندرية, دور هيئة الأثار في الحفاظ علي الحمامات الأثرية بالمحدود, منتقدا الموقف السلبي من وجود بعض الحمامات في حيازات وملكيات خاصة, مما لم يسهم في الحفاظ عليها. وقال اعوضب إن تقارير لجنة حفظ الآثار العربية سنة1881 أهملت بشكل ملحوظ تسجيل وحفظ الأثار الإسلامية بالثغر بصفة عامة وحمامات الإسكندرية بصفة خاصة, وعند إنشاء المجلس البلدي عام1890 إقتصر دوره علي الإشراف الصحي وتنظيم إدارة الحمامات. وأضاف, إن عدم الاهتمام بتسجيل حمامات الإسكندرية من قبل الإدارات المتعاقبة لهيئة الآثار والمجلس الأعلي استمر حتي عام1999 حين تم وضع قائمة للحفاظ علي تراث المدينة للقرن التاسع عشر والعشرين, وفي حينه تم تسجيل حمام المصري بقرار وزاري رقم630 لسنه1999 وهو الحمام الوحيد المسجل ضمن قائمة الآثار التابعة لهيئة الآثار. وأوضح إنه في إطار القانون144 لسنة2006 قامت لجنتا حصر من قبل محافظة الإسكندرية بمراجعة قائمة المباني والمنشآت والمناطق التراثية, وقام مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط حينها بإعداد قائمة البيانات والخرائط الخاصة بهذه القائمة, وبناء عليه تمت مخاطبة المجلس الأعلي للآثار بتاريخ10 مايو2007 لإدراج الحمامات غير المسجلة, وهي حمامات الدهب بمنطقة العطارين والذي تم إخراجه من قائمة المباني التراثية عام2012, والشيخ إبراهيم بمنطقة المنشية والذي تم هدمه لبناء عقار سكني, وحمام حسن عبد الله والذي تم اكتشافه مؤخرا. ومن جانبه, قال محمد متولي, مدير عام الآثار الإسلامية بالإسكندرية, إن الحمامات الأثرية اندثرت ولم يتبق منها إلا حمام واحد مسجل بوزارة الآثار وهو حمام المصري بمنطقة مينا البصل غرب المدينة, مشيرا إلي أن المدينة كان بها ما يقرب من4 حمامات أثرية ولكن تم الاعتداء عليها. وأوضح امتوليب أن حمام المصري مازال يحتفظ بمعالمه, إلا أنه في حاجة إلي ترميم وتطوير, مشيرا إلي مخاطبة هيئة الآثار لترميمه والاستفادة منه, مؤكدا أن الهيئة وضعته ضمن برنامج التطوير لجعله مزارا سياحيا.