لم تؤثر أزمة الدراما علي نوعية ما يقدم من مسلسلات فقط, لكن الأزمة قضت علي انواع كانت ناجحة واثرت في ثقافة المجتمع لعقود طويلة, اهمها المسلسل التاريخي والديني لما يقدم فيهما من احداث ووقائع تبرز بطولات تاريخية حقيقية, والامثلة علي ذلك عديدة, فمعظم المصريين والعرب عرفوا السلطان قطز من خلال الدراما, واقتربوا من عمر بن عبدالعزيز, وهارون الرشيد, والامام الشافعي وغيرها من الأسماء, وفي وقت قصير خرج الانتاج المصري من الدراما التاريخية والدينية وسحبت سوريا السجادة من تحت اقدام المصريين حتي ان كليوباترا ملكة مصر قدمتها الدراما السورية , ومن قبلها قدمت طارق بن زياد, وتركت لنا الأعمال التي تعتمد علي اسم النجم بصرف النظر عن مضمونها أو ما تقدمه من قيمة فنية.. لكن لماذا اختفت الدراما التاريخية والدينية؟!. يقول المخرج إسماعيل عبدالحافظ ان المخرج لا حيلة له, بل علي العكس فهو يتمني ان يقدم عملا تاريخيا يخلد اسمه, لكن في النهاية عليه ان يختار من بين ما هو موجود, واعتقد ان المنتج هو المسئول الأول لأن الدراما التاريخية مكلفة, والمنتج يشجع الكتاب علي الكتابة بانماط معينة أكثر رواجا واسرع في التوزيع والمكسب. ويرد الكاتب والمؤلف يسري الجندي احد أهم كتاب الأعمال التاريخية بأن هناك عددا من العوامل تجعل الكاتب يعزف عن كتابة الأعمال التاريخية والدينية أولها ان الفنانين يتهربون من هذه النوعية من الدراما لأنهم يتم حصر عرضها في شهر رمضان فقط ويصبح من الصعب اعادة العرض مرة أخري بعد رمضان طبقا لمفاهيم العرض الموجودة حاليا, علي الرغم من أن عدة أعمال عرضت بعد رمضان وحققت نجاحا كبيرا, مشيرا إلي مسلسلي عمر بن عبدالعزيز, وهارون الرشيد. واشار الجندي إلي أن وكالات الإعلانات تعتبر هذه النوعية من الدراما لا تجذب المعلنين, ولا تحصل علي نسبة مشاهدة عالية ولذلك يتجه المنتج وبالتالي المؤلف إلي الدراما الاجتماعية والاهتمام باسم النجم لا العمل وقيمته. واضاف الجندي ان هناك الكثير من المؤلفين يتقدمون بالعديد من السيناريوهات لمسلسلات دينية وتاريخية لكنها تقابل بالرفض لأنها لا تتوافق مع سياسة السوق ولهذا يتجهون إلي الدراما الاجتماعية. وطالب المؤلف بهاء الدين إبراهيم: مؤلف مسلسل امام الدعاة بأن يحدث نوع من التوازن في شهر رمضان وان تضع القنوات خريطة تحتوي علي عدد مناسب من المسلسلات التاريخية والدينية, وهذا لا يعني منع الأعمال الاجتماعية. واضاف إبراهيم أن الأعمال الدينية محدودة جدا وتعرض في أوقات غير مناسبة وكل هذا بسبب المسئولين. ويطالب إبراهيم بأن يتحمل انتاج الدولة مثل هذه الاعمال لأنه الأكثر قدرة علي تحمل انتاجها. ويرجع المخرج جمال عبدالحميد اختفاء الدراما التاريخية والدينية لتكلفة الانتاج العالية وعدم قدرة جهات الانتاج علي تحمل التكلفة خاصة انهم يعتبرونها غير مربحة, كما أن الدراما السورية بسبب توافر الطبيعة وقدرة المسئولين عن الصناعة علي تخفيض الانتاج استطاعوا ان ينتجوا اعمالا مبهرة في كل العناصر الملابس أو المكياج أو اماكن التصوير أو الاكسسوارات والابتكارات في الحروب والخيول, كما ان الحكومة السورية تدعمها ماديا ومعنويا وبالتالي كل هذه الاسباب ساعدت علي توقف انتاج الدراما الدينية والتاريخية. واشار إلي مسلسل بيبرس الذي عرض منذ سنوات في الدراما وفي عام واحد في التليفزيونين السوري والمصري, ولكن للأسف العمل السوري لاقي نجاحا اكبر, وأضاف عبدالحميد أن التليفزيون المصري معتاد علي عرض المسلسلات الدينية والتاريخية في اوقات الفجر ومنتصف الليل وهذا ايضا ساعد علي عدم نجاحها. ويري الفنان عزت العلايلي ان شركات الانتاج ابتعدت عن المسلسلات التاريخية والدينية واهتموا بمسلسلات رجال الأعمال لأنها من وجهة نظرهم تحقق المكسب, أما المسلسلات التاريخية أو الدينية فلا يوجد اقبال علي شرائها لأنهم يرون أن نوعية هذه المسلسلات لا تحقق أي مكاسب ولا تجذب المعلن. في حين يري الفنان كمال أبورية ان الدراما التاريخية مهمة اولا لأنها توثق لتاريخنا وابطالنا القوميين وتسهم في بناء الثقافة القومية والانتماء, لكن للأسف هناك نجوم يتهربون من العمل في مثل تلك النوعية بسبب المجهود التي تتطلبه منهم, وبعض الذين شاركوا في نوعية اعمال مناسبة لم يستطيعوا ان يقدموها كما يجب ولذلك انخفض وكاد يختفي انتاجها. ويقول الفنان حسن يوسف ان أول أسباب غياب المسلسل الديني إن القنوات لا ترغب في عرضها وبالتالي يتخوف المنتج من وضع ميزانية بملايين الجنيهات لعمل درامي لن يحقق عرضا أو مكاسب مادية, كما انهم لو قاموا بشراء مسلسل يعرضونه في توقيت لا يشاهده احد ويفضلون عرض الدراما الاجتماعية في ذروة المشاهدة والمضمون نجاحها. واشار يوسف إلي أن اللغة العربية الفصحي احد عوائق الدراما التاريخية والدينية وتتعرض للنقد مثلما حدث لمسلسلي عمرو بن العاص وسقوط الخلافة اما الأعمال الأخري عامية التي ليس لها إضافة فهي تكون من أكثر الأعمال المتميزة. ويصف الناقد طارق الشناوي اختفاء الدراما التاريخية والدينية بانه كارثة حقيقية في الدراما المصرية, مشيرا إلي أن اسباب اختفائها الاستخفاف في الكتابة وعدم قدرة أي منتج ان يصرف ميزانية لا يضمن رجوعها. وتضيف الناقدة ماجدة خيرالله إن المسلسلات الدينية والتاريخية لا تكون لها أولوية العرض في القنوات وهو ما أدي إلي تراجع المؤلفين عن كتابتها واصحبت الدراما الاجتماعية هي التي تسيطر علي الساحة الدرامية. وحذرت ماجدة من انقراض الكتابة التاريخية والدينية في ظل هجوم الدراما الاجتماعية. واشارت إلي أن المسلسلات الدينية بدأت تختفي تدريجيا من خريطة دراما رمضان منذ عامين وإذا وجد عمل ديني أو تاريخي فانه لا يأخذ حقه في العرض واوقات مشاهدته غير مناسبة بعد أن كان يعرض أكثر من عمل ديني يخص شخصيات تاريخية إسلامية وتاريخية ناجحة, كما أري أن من الأسباب الرئيسية التي جعلتها تنخفض هو عدم اهتمام التليفزيون المصري بها وتحكمه الخطأ في اوقات عرضها. ويقول الناقد أحمد فوزي: للأسف الشديد الدراما التليفزيونية في انحدار بسبب عدم وجود خريطة درامية للأعمال التي ستعرض ويجب وجود علاقة بين نوع السلعة والجمهور المستهلك والمكان والزمان الذي سيستهلك فيه السلعة, فبالتالي عند كتابة المسلسل يجب معرفة الجمهور المستهدف وتوقيت اذاعته وإذا كان مناسبا للجمهور ام لا وليس لمناسبة الانتاج فقط كما ان نجاح الأعمال هذا العام ليس لجودتها الفنية ولكن لجودتها الانتاجية والأكثر أهمية من كل ذلك انه لا يوجد شيء اسمه( الدراما الرمضانية) ولا يمكن ترجمتها علي مستوي العالم فمثلا مسلسل( سقوط الخلافة) هذا عمل متميز وبذل فيه جهد كبير لا يوصف وسيناريو جيد جدا يناقش قضية مهمة في تاريخ الإسلام ولكن للأسف لم يلاق نسبة مشاهدة بل لم يعرف عنه الكثيرون شيئا. وبالتالي بعد كل هذه المساوئ كيف ننتظر ان توجد دراما دينية أو تاريخية فالربح سيطر علي عقول المؤلفين والمنتجين والمخرجين ولا يفكرون إلا فيه وبعد حل هذه الأزمات وقتها نفكر لماذا اختفت هذه الدراما التي تعبر عن جدودنا وتراثنا.