ربما يتساءل البعض, من الناس ووسائل الإعلام, في بريطانيا: لماذا لم تمرر الحكومة البريطانية معلوماتها الاستخباراتية بشأن حادث تحطم الطائرة الروسية في وسط سيناء يوم السبت الماضي؟ لكن أحدا لم يسأل: كيف حصلت الاستخبارات البريطانية علي مثل هذه المعلومات التي من الواضح أنها تعزز فرضية تفجير الطائرة بقنبلة ذرعت فيها قبل الإقلاع؟. ولن يسأل أحد هذا السؤال. فبريطانيا تفخر أمام الأوساط الاستخباراتية والأمنية في العالم, بما فيه أمريكا, بأنها تملك أعظم وأضخم جهاز تنصت علي الاتصالات علي الكرة الأرضية, الذي يعرف في بريطانيا باسم مقر الاتصالات الحكوميGCHQ, ويقع وسط إقليم انجلترا. وتقول تقارير صحفية, نقلا عن مصادر استخباراتية, إن معلومات هذا الجهاز هي التي أقنعت الوزراء المشاركين في اجتماعي غرفة الطوارئ كوبرا يوم الأربعاء الماضي بأن الطائرة الروسية فجرت بقنبلة. وتؤكد المصادر أن الجهاز راجع سجل تسجيلاته خلال فترة, لم تحدد, سبقت سقوط الطائرة المنكوبة. وتقول الاستخبارات عثرت علي دليل المؤامرة( خطة زرع القنبلة في الطائرة) في مكالمات رصدتها أثناء إجراء مراجعة الاتصالات التي أجريت في أعقاب كارثة31 ديسمبر. وبعد أن أبلغ الجهاز أعضاء غرفة الكوبرا, رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمالية ورؤساء أجهزة الاستخبارات والأمن, بالمعلومات التي توصل إليها, تقرر علي الفور إرسال فريق من الخبراء إلي شرم الشيخ. وعقب تلقي التقرير الأولي من الفريق بشأن مراجعة الأمن في مطار المدينة, تقرر تعليق كل الرحلات من شرم الشيخ, وإليها أحد أفضل الوجهات السياحية للبريطانيين. يراقب الجهاز الاتصالات عبر الهواتف وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة من الانترنت, ولذا فإنه يملك, كما يقول مسئولوه علنا, القدرة علي تطوير وسائل الاتصالات ومتابعة أحدث الابتكارات في هذا المجال. والجهاز هو عصب العمل الاستخباراتي في بريطانيا الذي يسهم فيها جهازا الاستخبارات السرية( الخارجية) أم آي6 والجهاز الأمني( الداخلي) إم آي5, والاستخبارات العسكرية المكلفة جميعا بمهمة جمع المعلومات الاستخباراتية بالطرق التقليدية التي تعتمد علي الجهد البشري المباشر. ويعتمد الجهاز علي رصد ومراقبة إشارات الاتصالات, ثم يخزن المعلومات المتجمعة لديه وتصنيفها وتوفيرها لوزارة الدفاع وأجهزة الحكومة والشرطة. وحسب التقارير, فإنه يعتقد بأن مقر الاتصالات الحكومي قد رصد مكالمات بين أشخاص يحتمل أنهم شاركوا في إعداد القنبلة وخططوا لوضعها في الطائرة الروسية أثناء وجودها في مطار شرم الشيخ. ويقول محللون أمنيون إنه بعد سقوط الطائرة, عادت المركز إلي المواد المتوفرة لديها ثم بدأ يري, فيما يبدو, إشارات اتصالات ترجح أنه تم بالفعل وضع قنبلة في الطائرة. ويشير المحللون البريطانيون أيضا إلي أنه لم يكن يتوقع أحد الاستجابة لرغبة مصر وروسيا في الاطلاع علي هذه المعلومات أو الطريقة التي جمعت بها, لكن الحكومة البريطانية تعتقد بأن الأهم هو تبادل خلاصة المعلومات. فالكشف علي المعلومات نفسها وطريقة استخلاصها يهدد بالكشف عن قدرات وطريقة عمل الاستخبارات البريطانية. وبعد تسريب المعلومات عن دور المركز الاستخباراتي النافذ, راجت نظرية تسلل إرهابيين إلي المطار وتجنيد عاملين في المطار يمكنهم حمل حقيبة بها قنبلة إلي الطائرة دون أن يشك فيهم أحد, لتنفجر القنبلة وتشق الطائرة نصفين في الهواء, وهذا ما يرجح نظرية تميل إليها روسيا منذ بداية التحقيقات. ورغم الدور بالغ الأهمية الذي يطلع به مركز الاتصالات الاستخباراتي في حماية بريطانيا ومصالحها في الداخل والخارج, فإنه لم يسلم من انتقادات منظمات حقوق الإنسان في بريطانيا والعالم. وكان أدوارد سنودن, موظف الاستخبارات الأمريكي المنشق المقيم في روسيا الآن, قد كشف معلومات تشير إلي أن المركز يتحكم بدرجة عالية من الكفاءة علي الهواتف المحمولة الشخصية للملايين في العالم. ولم يخف المركز انشطته التي تعترض وتتنصت علي المكالمات الهاتفية في أنحاء العالم. لكنه يصر علي أنه يفعل ذلك في إطار القانون البريطاني والأوروبي. وكان المركز قد رصد اتصالات هاتفية اجرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وقضت لجنة قضائية بريطانية بأن المركز خالف قواعد العمل لانه احتفظ بسجل المكالمات لفترة أطول مما يجب. ولم تمنح اللجنة المبادرة حق المطالبة بتعويض مالي عن هذا السلوك. وقالت المبادرة إنها سوف تقاضي المركز أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.