العلاقة بين فنان وزميلة الفنان من نفس مجال إبداعه علاقة شائكة, فالفنان كثيرا ما يكون رمزا للتفرد والتوحد مع ذاته وهي خاصية يصعب معها الجمع بين اثنين يعيشان بها هذا أمر بديهي في مجال الحياة فما بالك في مجال الإبداع ؟ والتاريخ يقدم لنا حكايات عدة عن الكثير من الفنانين الذين تحولت صداقاتهم إلي قطيعة تاريخية بل وفي بعض الحيان تحولت إلي عداء لعل من أهم تلك العلاقات العلاقة التي كانت قائمة بين البير كامو الفيلسوف والكاتب الفرنسي و مثيله جان بول سارتر وتلك التي كانت قائمة بين الرسام فنست فان جوخ الهولندي ونظيره جوجان الفرنسي, وغيرهم كثير في تاريخ الفن والأدب. لعل السينما هي من المجالات الفنية التي لا تحفل كثيرا بتلك العلاقات حيث أن المبدع السينمائي شديد التفرد( حتي لا نقول النرجسية) وأن الجميع في السينما يسعي ليكون هو صاحب الكلمة العليا في كل عمل, بل متعارف في الكثير من البلدان أن الكثيرين من السينمائيين يقللون من قيمة أعمال زملائهم تحت تصور أن نجاح الآخرين ليس سوي إعلان فشل لهم وتتميز مجتمعاتنا وبالتالي مبدعها, بعدم تقبل النقد وإلي أخر تلك السمات المعروفة. الفيلم التسجيلي اثنين من الموجة من إخراج الفرنسي إيمانويل لوران يتعرض للعلاقة بين اثنين من أهم المخرجين الفرنسيين أثرا في مسار السينما في فرنسا بل وفي العالم أجمع بمساهمتها في خلق تيار السينما الجديدة في ذلك الوقت المعروف باسم( الموجة الجديدة). ذلك التيار الذي بدا في تغيير وجه السينما في كل أوروبا وامتد ليشمل السينما في العالم أجمع بما فيها هوليوود نفسها الشخصيتان البارزتان في خلق هذا التيار هما المخرجان جان لوك جودار وفرنسوا تريفوا. أعتمد الفيلم علي أعمال الناقد الفرنسي أنطوان دي باك رئيس التحرير السابق في مجلة كراسات السينما والمؤرخ السينمائي الشهير, هذا بالإضافة للعديد من صور الأرشيف واللحظات التسجيلية لهما أثناء تصوير أعمالها, هذا بجانب شهادات وتحليل من قبل العديد من معاصريهم ونقاد سينمائيين, يتم من خلالها تحليل أعمالهم ومقالاتها في كراسات السينما وغيرها وذلك في الفترة من الخمسينيات وحتي بداية السبعينيات. الفيلم يوضح العلاقة بينهما منذ البداية وحتي القطيعة, فقد بدأ الاثنان ككاتبين للنقد السينمائي في مجلة كراسات السينما في منتصف الخمسينيات, أحدهما فرنسوا تريفوا, أبن عائلة عمالية فقيرة قضي فترة من حياته في الإصلاحية, والأخر أبن للبرجوازية السويسرية البروتستانتية جمع بينها حبها لهذا الفن الساحر الملقب بالسابع. من بعد صداقتهما التي جمعتهما مع الكتابة للسينما في كراستها تأتي الفرصة ليقدم فرنسوا تريفوا عمله السينمائي الأول من خلال فيلمه400 ضربة1958 ويضغط الكاتب أندريه مارلو والذي كان وزيرا للثقافة في حكومة شارل ديجول في ذلك الوقت لقبول الفيلم ضمن مسابقة مهرجان كان السينمائي في عام1958 لتكون المفاجأة.. يفوز تريفوا بجائزة لجنة التحكيم. أطلق جودار حينئذ تصريحه الشهير( الكل ذهب لمهرجان كان تريفوا شخص حقير لم يفكر في.. صديقه). لكن تريفوا يفكر فعلا في صديقه عندما يقنع المنتجين هو والمخرج كلود شابرول( أحد نقاد كراسات السينما و رمز من رموز الموجة الجديدة) بقبول إنتاج فيلم جودار علي أخر نفس1959 ليبدأ تاريخ الموجة الجديدة يسطر أول سطورة في تاريخ السينما. العلاقة بينهما تقوي بالرغم من نجاح أفلام تريفوا التالية وفشل أفلام جودار تجاريا مع ذلك يكتب عنه فرنسوا قائلا' أنه سريع كروبيرتو روسيليني وماكر كساشا جيتري, موسيقي الإيقاع مثل أورسن ويلز وبسيط مثل لوي بونويل وجارح مثل نيكولاس راي ومؤثر مثل هيتشكوك عميق عميق عميق مثل أنجمار برجمان.. هناك سينما ما قبل جان لوك جودار وسينما ما بعد جان لوك جودار'. تجمعهم ثورة الطلبة في1968 عندما يثوران مع من ثاروا لتنحية هنري لانجلوا عن رئاسة السينماتيك الفرنسي ويذهبان معا لمهرجان كان في هذا العام ليقوما مع الآخرين بالمساهمة في إلغاء المهرجان في هذا العام. لكن بعد1968 يتجه جودار للسينما السياسية ويري أن السينما يجب أن تكون منشورات توزع علي المشاهدين و لكن تريفوا يري أن السينما يجب أن تكون حرة من كل توجه سياسي و أكثر توجها للإنسان. تأتي القطيعة الفعلية بينها من بعد فيلم الليل الأمريكي1969 من إخراج فرنسوا تريفوا عندما يصف جودار تريفوا' بمخرج برجوازي مندوب هوليوود علي نهر السين' وأنه' كاذب' فيرد تريفوا بأن كلامه مخلفات بشرية. ألقي فيلم' اثنان من الموجة' الضوء علي العلاقة بين أهم رمزين من رموز سينما الموجة الجديدة وهما في نفس الوقت رموز لمرحلة ولت و انتهت وأن كان الحنين لها مازال يملأ قلوب الكثيرين حول العالم. [email protected]