اقترب فصل الصيف, وازدادت مياه البحر المتوسط دفئا وإغراء لملايين الحالمين من دول الشمال الإفريقي وجنوب الصحراء الكبري بإمكانية الوصول إلي شواطيء أوروبا الجنوبية في أجواء ربما تكون أكثر رحمة عن أجواء الشتاء القارص, فارتفعت وتيرة تهريب البشر عبر القوارب المكدسة بضعف حمولتها, فيما يسمي موسم الهجرة إلي الشمال. تلك الهجرة التي تنظمها عصابات تهريب البشر في القرن الحادي والعشرين, والتي يختلف مفهومها كثيرا عن المفهوم الذي قصده الأديب السوداني الطيب صالح في روايته التي حملت الاسم نفسه والمنشورة عام1966, والتي اعتبرها النقاد وقتها واحدة من أفضل مائة عمل روائي في القرن العشرين. فالهجرة في الرواية لم تكن غير شرعية, ولكنها هجرة من ثقافة إلي أخري, ومن مجتمع إفريقي نام إلي أوروبا بكل وهجها الحضاري. تنطلق القوارب في رحلات إلي موت شبه مؤكد, حيث لا تترك وراءها في أغلب الأحوال ناجيا. وإن كان الدفء النسبي لمياه البحر لا يعني بالضرورة نسبة أعلي من النجاح في تحقيق الحلم أو انخفاض أعداد الغرقي والمفقودين, أو الوصول بسلام إلي أبواب الجنة, فالأمواج العاتية تبتلع موجات البشر بنفس القسوة بصرف النظر عن درجة حرارتها. المهاجرون غير الشرعيين يهربون من ظروف خانقة وأحوال اقتصادية ضيقة, وأنظمة حكم فاسدة مستبدة, يركبون الخطر ويتعرضون للغرق بسبب سعيهم إلي بحبوحة العيش في القارة العجوز الغنية, حيث فرص أكبر للعمل والحياة ولقمة عيش نظيفة, وهي تختلف كليا عن حلم الطالب السوداني الذي عمل محاضرا في إحدي الجامعات البريطانية ليصطدم بثقافة الآخر عندما يحاول إملاء ثقافته علي زوجته البريطانية. تتصاعد مخاوف الغرب من الزيادة المطردة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلي أراضيها, لتلاحق موجاتها بأعداد هائلة, مما يشكل خطرا علي ثقافتها وعلي تركيبتها السكانية, وعلي السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي بها بسبب ثقافة المهاجرين المغايرة. أوروبا تنظر الآن لليبيا علي أنها محطة مرعبة لانطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية إليها مع انتشار روايات من وصلوا إلي إيطاليا حول الظروف شديدة الصعوبة في هذا البلد العربي الإفريقي. مهاجرون وصلوا إلي جزيرة لامبيدوزا الإيطالية رسموا صورة قاتمة عن الوضع في ليبيا التي تعاني نزاعا خطيرا أثر علي طبيعة وحجم تجارة تهريب البشر. فيديريكو سودا مدير منظمة الهجرة الدولية في منطقة المتوسط أعلن أن أقوال شهود تؤكد أن المهربين أصبحوا أكثر عنفا مع المهاجرين في نقاط التجميع والمغادرة. المنظمة نفسها التقت عشرات المهاجرين بينهم أم صومالية ولدت ابنتها البالغة من العمر ثلاثة أشهر في إحدي نقاط التجميع في ليبيا, حيث أمضت ثلاثة أشهر وتعرضت لإساءات منتظمة من المهربين. كما نقلت المنظمة عن شاب جامبي قوله إن الحياة في ليبيا أصبحت غير ممكنة للمهاجرين الأفارقة حيث يتعرضون للابتزاز والعنف. ووصف العديد من المهاجرين طرابلس بأنها مكان خطر جدا لا يمكن الإقامة فيه. وتشير الإفادات التي جمعتها المنظمة إلي أن معظم المهاجرين من السوريين والفلسطينيين الموجودين في ليبيا حاليا وصلوا من السودان بعد وصولهم جوا إلي الخرطوم من عمان أو بيروت أو اسطنبول, قبل أن يعبروا الصحراء إلي ليبيا. وحلت هذه الطريق محل الطريق التي كانت مفضلة سابقا عبر الجزائر, وأصبحت أكثر صعوبة الآن بعد تشديد السلطات الجزائرية منح التأشيرات للسوريين والفلسطينيين. أما أحدث إحصاءات الأممالمتحدة فأكدت أمس أن عدد المهاجرين الذين لقوا حتفهم أو دخلوا في عداد المفقودين منذ مطلع2015 خلال عبور البحر المتوسط في محاولة للوصول إلي أوروبا ارتفع إلي نحو950 شخصا, بينما تم تسجيل وصول أكثر من11 ألف مهاجر خلال الفترة من10 إلي16 أبريل الحالي وهو رقم مرتفع للغاية. وبحسب منظمة الهجرة تضاعفت أعداد المهاجرين الوافدين من أول يناير عن نفس الفترة من العام الماضي بمقدار عشرة أضعاف. إيطاليا من جانبها اعترفت علي لسان وزير خارجيتها بأن المبلغ المخصص من الاتحاد الأوروبي أكبر قوة اقتصادية في وقتنا الحاضر والمقدر ب(3.2 مليون دولار) فقط شهريا لحالة الهجرة الطارئة أو ما يعرف ب مهمة تريتون لإنقاذ المهاجرين الذين يتعرضون للموت غرقا في البحر بالغ الضآلة, مما يحمل خفر السواحل الإيطالي والسفن البحرية الإيطالية أغلب العبء في عمليات الإنقاذ.