بعد أربع سنوات من الضياع والفوضي, وبعد سنوات طويلة من الارتباك والفزع وسياسات الأيادي المرتعشة, ينطلق وعلي مدي ثلاثة أيام المؤتمر الاقتصادي الذي تبني وتعقد عليه الكثير من الآمال والتطلعات لبث الروح في جسد الاقتصاد المصري الذي أنهكته التحولات السياسية وعصفت به رياح التقلبات الأمنية حتي أوشك أن يقع علي حافة الانهيار. المؤتمر الاقتصادي الذي تحتضنه مدينة شرم الشيخ, والذي فاقت الاستعدادات له, باعتباره من أهم الأحداث التي تعيشها مصر, فشلت كل المحاولات البائسة التي ترمي إلي إفشاله, وعرقلة مجرياته من خلال الضغط بورقة الأمن واستعمال سلاح الإرهاب والرفع من وتيرة التفجيرات وأعمال العنف قبيل عقده, وهو أحد الحلول القوية للمضي قدما بعجلة الإنتاج والتغلب علي الركود الاقتصادي, ومنح فرص عمل لآلاف المصريين ممن تضرروا بشكل كبير من تقلبات المشهد السياسي علي مدي السنوات الأخيرة. وهو أيضا فرصة ثمينة للشركات الساعية إلي ضخ استثماراتها في مصر, ومجال مفتوح أمام المستثمرين للتعرف والانفتاح علي السوق المصرية التي تعد سوقا مغرية للاستثمار, وهذا ما يفسر مشاركة أكثر من80 دولة و23 منظمة دولية, بالنظر إلي موقع مصر الاستراتيجي وتنوع ثرواتها الطبيعية والبشرية, واختلاف مشاريعها التنموية سواء بمنطقة قناة السويس أو بمختلف الجهات المصرية, وبالنظر أيضا إلي عمق الإصلاحات والتشريعات التي بادرت مصر إلي اعتمادها أخيرا سواء تعلق الأمر بقانون الاستثمار أو الإصلاحات الضريبية, وقانون المنازعات الاستثمارية وغيرها. مصر تدشن لعهد جديد وتفتح أبوابها أمام المستثمر الأجنبي الذي يمكن أن يجد في البلد بعض الاضطراب الأمني, الذي سوف تنتصر عليه مصر بالنهاية بعدما يتأكد الإرهاب أنه لن ينال من إرادة مصر ورغبة المصريين في تحسين أوضاعهم, ولكن الاستثمار لا يقوم فقط علي غطاء الأمن, ولكن أيضا علي وجود مناخ سانح وحاضنة مواتية للمستثمرين من قوانين وامتيازات وإعفاءات ومغريات.. وهذا بالتحديد ما اشتغلت عليه بوعي وشجاعة إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي جعل من الملف الاقتصادي أحد أولوياته, وسخر لذلك كل الجهود والطاقات الممكنة بدءا بتعديل القوانين المتعلقة بالاستثمار والطاقة والتجارة والشغل, إلي التعديل الوزاري الأخير الذي استحدثت فيه وزارة التعليم الفني والتدريب المهني, من أجل أولا, تحسين بيئة الاستثمار وإنجاح المؤتمر الاقتصادي وما سوف يليه من انطلاق مشاريع مختلفة, وثانيا, من أجل تكوين وتهيئ العمالة المصرية, التي تشكل القوة الحقيقية لمصر بعدما تجاوز عددها عشرين مليونا, حتي تواكب سوق العمل وتكون عند مستوي تطلعات المستثمرين. مصر, رغم كل الإكراهات, علي الطريق الصحيح وتعمل كل ما يلزم من أجل أن تستعيد نشاطها وحيويتها ليبقي الرهان الأساسي علي التطبيق الحقيقي للقوانين, والتزام الدولة بتعهداتها وبرامجها, والتخلص من مشكلة البيروقراطية الذي يعوق الاستثمار بشكل عام, والتخلص أيضا من العقلية القديمة التي تري في المستثمر مستعمرا جديدا. كما أن تشجيع المستثمر الأجتبي يبدأ بأخذ المستثمر المصري, سواء ممن انسحب خارج البلاد بعد ثورة25 يناير, أو ممن ظل وحقق بعض النجاحات رغم الظرفية الصعبة, البادرة في تبني مشاريع تسهم في بناء اقتصاد بلاده, وتمنح الثقة لباقي المستثمرين بأن مصر كدولة مدنية تمتلك إرادة ورؤية واضحة تتحدي بها كل الصعاب وتتجه بها بكل ثقة نحو سياسة اقتصادية مبنية علي الاقتصاد الحر. نجاح المؤتمر الاقتصادي وجذب المستثمر الأجنبي ليس فقط أمل مصر, بل هو أمل كل العرب الشرفاء, فعودة الروح للاقتصاد المصري يعني إعادة الحياة لمصر وعودة ريادتها ومكانتها العربية والإقليمية والعالمية, مما يعني عودة التوازن لمنطقة بات ينخرها الإرهاب ويهددها التمزق والانقسام.