نحن المصريين مسيحيين ومسلمين نعرف جيدا ما تحمله حرمة الموت من معني. من أيام المصريين القدماء الموت له طقوس لا تتغير في مصر. في الديانة المصرية القديمة المصري لا يدفن إلا في أرض مصر.. أجدادنا القدماء إذا سافر أحدهم ثم شعر بدنو أجله وهو خارج البلاد يعود سريعا لكي يدفن في أرضه وفقا للطقوس المصرية المهيبة. علي جدران المعابد رسموا شكل الجنازة وكيف يظهر الشخص المتوفي محمولا علي الأعناق.. ودائما يتصدر المشهد الأختان المعددتان إيزيس ونفتيس, هكذا علم المصريون القدماء العالم أجمع احترام الموت. وعندما استشهد جنودنا في رفح بكينا مع الأم التي كانت تحاول أن تطلق زغرودة من سط دموعها المنهمرة علي فراق ابنها الشهيد. قد تكون الزغاريد مظهرا للفرح لكن في هذا الموقف المهيب كانت الزغرودة غارقة في دموعنا ودموع هذه الأم, وكانت تعبيرا عن مغالبة أم لمشاعرها الطبيعية لتؤكد فكرة الفرح بموت ابنها شهيدا من أجل الوطن الذي هو أغلي من أي شئ. منذ عهد الفراعنة المصريون يعلمون أن الحياة رسالة, والموت رسالة, والفرح أيضا رسالة. لكن ما أصابني بالذهول أن أري نعشا يرقص ويطير, ويقفز حاملوه علي أنغام الدبكة وتتحول إيزيس ونفتيس لراقصات بملابس رقص حمراء وخضراء يتمايلن بدلال علي واحدة ونص. أنا لست ضد الرقص والغناء الذي يتماشي مع الموقف.. في كل بلاد العالم وفي كل الأديان من أول الديانة المصرية القديمة مرورا باليهودية والمسيحية والإسلام.. الموت له قدسيته وحرمته. الفرح وقت الموت ليس له محل من الإعراب في قاموسي الخاص إلا إذا كان موظفا بحكمة, لأن في الموت عبرة. قد نفرح لأن الميت سيلقي ربه وقد أدي رسالته علي أكمل وجه, أولأن ربنا رحمه من قسوة الحياة أوالمرض.. وكم هو جميل أن ننظر للموت بهذه النظرة الفلسفية, لكن أن يتحول الموت لكرنفال أظن أن هذا ضرب من الجنون! وأظن أن الراحلة التي أوصت بالفرح بعد موتها لم تقصد أبدا أن تتم المراسم بهذه الصورة الجنونية. كثيرون أصابهم الذهول ولم يتكلموا احتراما لحرمة الميت وبحجة أنها وصية.. لكن الغريب أن يعلن البعض اعجابهم بالفكرة! في الحقيقة هي فكرة ستايليش.. وكانت جنازة ستايليش.. قد أكون أنا الكئيبة القادمة من أرض الفراعنة لكن أحمد الله كثيرا أني ولدت علي هذه الأرض وأحمد الله علي نعمة العقل. باحثة في علم الفلك و الأبراج