هل انتصر المعتدلون في الحرب علي المتطرفين؟.. بهذا السؤال يفتتح فريد زكريا رئيس تحرير النسخة العربية من مجلة نيوزويك الأمريكية الملف الرئيسي للعدد الأخير, ويبدأ زكريا تقريره المهم برسم صورة للعالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام2001 قائلا:' كثيرون منا كانوا يخشون ما قد يليه, فلم يظهر تنظيم القاعدة فحسب أنه قادر علي شن هجمات معقدة ووحشية, بل كان القلق الأكبر من أن المجموعة تمكنت أو كانت قادرة علي الاستحواذ علي قلوب وعقول المسلمين. وإن كان المسلمون يتعاطفون مع قضية القاعدة, فسنواجه صراعا شاقا. فهناك أكثر من1.5 مليار مسلم يعيشون في أكثر من150 بلدا في أنحاء العالم. وإن أصبحت الأيديولوجية الجهادية جذابة لشريحة كبيرة من هؤلاء الناس, فسيواجه الغرب صداما لامتناهيا بين الحضارات, تسفك فيه الدماء وتنهمر فيه الدموع'.
هذه هي حالة الخوف التي عشاها وعبر عنها فريد زكريا لكنها بالطبع لم تكن حالته وحده, وإنما شعور عام في الغرب حول القادم وشكل العالم الإسلامي, الذي بدا للوهلة الأولي وكأنه أمة من الإرهابيين, لكن الإشارات التالية من العالم الإسلامي بدت داعمة للولايات المتحدة في حربها علي الإرهاب, فلا يوجد مواطن عاقل في أي مكان في العالم يمكن أن يقر أو يتعامل مع مثل هذه الآلية الإرهابية التي تفرض تحديا كبيرا علينا قبل أن تكون علي الغرب.
وفات زكريا أيضا وغيره من السياسيين والإعلاميين وصناع القرار في الغرب, أن الإرهاب الذي ضرب الولاياتالمتحدة كان موجودا وضرب العالم الإسلامي من قبل, وحين خاضت بلدان عربية مهمة مثل مصر حربا علي الإرهاب في بداية تسعينات القرن الماضي, كان الغرب يمنح العناصر الإرهابية مأوي وملاذا آمنا بعيدا عن المطاردة الأمنية, ولم يغب الغرب عن المواجهة الصعبة, وإنما غاب أيضا عن الحرب علي الأفكار باعتبار أن الإرهاب في الأساس هو نتاج فكر متشدد يحتاج إلي من يواجهه ويحاربه في معركة لا تقل صعوبة عن المواجهة العسكرية.
بعد أكثر من تسع سنوات علي بداية الحرب الأمريكية علي الإرهاب يعترف فريد زكريا في مقاله بأن ساحة الحرب علي الإرهاب تطورت إلي حد كبير, المعتدلون يقاومون ويكتسبون زخما. ويقول:' لم نعد نخشي احتمال وقوع بلد كبير ضحية الأيديولوجية الجهادية. وفي معظم البلدان الإسلامية, تمكن الحكام المعتدلون من إرساء الاستقرار في أنظمتهم ومجتمعاتهم, وتم عزل المتطرفين'.
لكن نجاح معظم الأنظمة المعتدلة في الحرب علي الإرهاب, وخاصة حرب الأفكار ليس نتاج استراتيجية أو جهود أمريكية, وإنما هو محصلة نهائية لنحو عشرين عاما من الصراع بين الإرهابيين والمجتمعات العربية والإسلامية. وليس كما يدعي زكريا من أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش هي السبب في هذا التحول عبر سلسلة من البرامج في أنحاء العالم العربي لتعزيز نفوذ المعتدلين ودعم المجتمع المدني وتنمية قوي التسامح والتعددية.
وحسب الأستاذ في كلية لندن لعلم الاقتصاد فواز جرجس, فإن نتائج استطلاعات الرأي من عشرات البلدان الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية تشير إلي انخفاض كبير في أعداد من يقولون إن التفجيرات الانتحارية وغيرها من أشكال العنف ضد أهداف مدنية يمكن تبريرها دفاعا عن الإسلام, فالأكثرية الساحقة تقول إن هذه الهجمات بمعظمها غير مقبولة. ويخلص زكريا إلي ان أعداد مقاتلي' العدو' لم تعد كبيرة والمستنقع يجف. فقد خسر تنظيم القاعدة المعركة الأيديولوجية. وما تبقي هو المعركة للانتصار عليه في خفايا العالم الحقيقي. لكن هذا العالم الحقيقي الذي يتحدث عنه زكريا والمسئولون الأمريكيون يبدو مختلفا عن العالم الذي نراه, فحتي ينتصر المعتدلون انتصارا حقيقيا في العالم الإسلامي علي الإرهاب لا بد أن يشعر المواطنون المحليون من أفغانستان إلي المغرب, وفي أحراش إفريقيا أن الحقوق العربية خاصة في فلسطين في طريقها علي الأقل للحل.. وما لم تتحرك هذه القضية إلي الأمام تصبح توقعات زكريا وغيره من النصر علي الإرهاب ليست أكثر من أحلام يقظة. [email protected]