عندما ظهرت حركة حماس للوجود بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولي في ديسمبر1987, اعتبرها البعض نقلة نوعية في المقاومة الوطنية الرامية إلي تحرير فلسطين, وأن ما تحمله من رؤية إيديولوجية وفكر جهادي سوف يساعد علي تكثيف ضربات المقاومة ويساعد علي بلورة المشروع الوطني الفلسطيني في نفس الوقت هناك من حذر من أثر دخول حركة حماس ساحة العمل المقاومة علي أساس أن منطلقاتها الإيديولوجية تكرس رؤيتها الاستعلائية مقارنة بباقي الفصائل الوطنية, إضافة إلي ما لديها من تراث استبعادي إقصائي, كل ذلك في ضوء ما كان معروفا عن' دور إسرائيلي' في بروز الحركة كحركة دعوية في البداية علي أساس أنها ستقلص من نفوذ منظمة التحرير ذات الأساس المدني العلماني. وومثلما كان بروز حماس علي ساحة العمل العسكري المقاوم مثيرا للجدل, كان الحال كذلك عند قرار حماس بدخول ساحة العمل السياسي وخوضها انتخابات2006, حيث بدا واضحا أن الخط السياسي للحركة أضيق من أن يستوعب الحركات ذات المنطلقات الفكرية المغايرة. حماس إحدي أذرع حركة الإخوان المسلمين
تعد حركة حماس امتدادا لحركة الإخوان المسلمين أو جناحا من أجنحتها. وعلي الرغم من وضوح العلاقة العضوية منذ البداية, إلا أن علاقة حركة حماس بحركة الإخوان المسلمين, لم تثر إلا في أعقاب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في يناير من عام2006, ففي أعقاب الانتخابات شكلت الحركة في مارس2006 الحكومة الفلسطينية, وبدأت عناصر الحركة في التحرك بحرية في الدول العربية, وبدا واضحا حرصهم علي التنسيق مع قيادة حركة الإخوان في القاهرة, ومع مكتب الإرشاد, كما أن أيا منهما لم يخف هذه العلاقة, بل إن المرشد العام السابق لحركة الإخوان المسلمين في القاهرة مهدي عاكف حرص علي تأكيد أن قادة حماس يرجعون إليه باستمرار في كل ما يخص قراراتهم, وأن إسماعيل هنية بادر إلي الاتصال به بعد أن كلفه الرئيس محمود عباس بتشكيل الحكومة. جذور العلاقة
تعود جذور وجود حركة الإخوان المسلمين في فلسطين إلي ثلاثينيات القرن العشرين وتوطد وجود الحركة بمشاركة المتطوعين من الإخوان من مصر والأردن في حرب1948 وتعد الفترة حتي حرب يونيو1967, فترة توطيد وجود الحركة في قطاع غزة تحديدا. وأدي احتلال إسرائيل للضفة وغزة في حرب يونيو1967, إلي قطع العلاقة بين الحركة الأم في مصر وعناصرها في فلسطين. وبقدر ما أدي قطع العلاقة إلي إضعاف الحركة في فلسطين, بقدر ما أدي في الوقت نفسه إلي نضج الحركة واعتمادها علي الذات, وبلورة توجهات فلسطينية لأتباع الحركة في الضفة والقطاع.
ويلاحظ بداية أن نشاط الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية لم يكن موجها بأي شكل من الأشكال ضد قوات الاحتلال, بل كان منصبا علي هدف' أسلمة المجتمع' عبر بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة, والمجتمع المسلم, وصولا إلي الدولة المسلمة. ولذلك لم يدخل الإخوان المسلمون في فلسطين? في الضفة والقطاع- في مواجهة مع قوات الاحتلال ولم يكن من بين أهدافهم, في هذه الفترة مواجهة قوات الاحتلال, بل إنهم عملوا لتحقيق هدف إقامة الدولة الإسلامية بموجب تراخيص لمزاولة نشاطات اجتماعية وثقافية ورياضية حصلوا عليها من قوات الاحتلال. في نفس الوقت لم تنظر قوات الاحتلال إلي نشاط الإخوان المركز في المجالات الثقافية والاجتماعية علي أنه يمثل خطرا عليها, بل إنها عملت علي تشجيع هذا النشاط ظنا منها أنه سوف يضعف نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية. وربما يفسر هذا التوجه من قبل الإخوان المسلمين ما ذكر في هذه الفترة من وجود علاقات تحتية بين الإخوان المسلمين والاحتلال الإسرائيلي, فقد رأي البعض أن إسرائيل, وعلي غرار نظم حكم عربية عديدة شجعت نشاط الإخوان المسلمين ووفرت لهم الأجواء الملائمة للنمو والعمل بحرية بهدف ضرب حركة المقاومة الوطنية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية, العلمانية الأساس والتوجهات. وأن الإخوان المسلمين في المقابل لم يركزوا علي مواجهة الاحتلال تقديرا منهم لعدم القدرة علي المواجهة في هذه المرحلة, وأنه لابد أولا من بناء المجتمع الإسلامي من أسفل وصولا إلي الدولة الإسلامية.
من هنا نهضت رؤية حركة الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية, وتحديدا في قطاع غزة, في ذلك الوقت علي مبدأ تجنب مواجهة قوات الاحتلال والعمل علي تحقيق الآتي: تطبيق فكر الإخوان المسلمين القائم علي بناء الفرد والأسرة والمجتمع الذي سيؤدي إلي إقامة الدولة الإسلامية. تجنب الصدام مع قوات الاحتلال أو الفصائل الفلسطينية الأخري الذي قد يؤدي إلي القضاء علي المشروع الإسلامي أو تأجيله وتأخيره عشرات السنين.
وكان ذلك موقف قيادات حركة الإخوان المسلمين والتي لم تكن تسمح لشباب الحركة باللجوء إلي العنف في مواجهة قوات الاحتلال علي نحو ما كانت تفعل منظمات وحركات المقاومة الأخري المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية. وبدا واضحا أن فكرة المقاومة ومواجهة قوات الاحتلال تجذب شباب الحركة, كما أن إعلان فصائل فلسطينية أخري الكفاح المسلح واستخدام بعضها لمصطلح الجهاد' ضد العدو الصهيوني' قد أدي إلي إثارة حماس بعض القيادات وإثارة سخط الشباب الراغب في الجهاد. وفي هذا السياق يقول أحد قادة حركة حماس, في ذلك الوقت, عماد الفالوجي' كان الشباب في الحركة يتسمون بالعنف والتمرد ويقودون العمل أحيانا دون الرجوع إلي القيادات التقليدية التي كانت غير مقتنعة بالمواجهة اقتناعا كاملا لأنها تري أن الأمور لم تنضج بعد وليس من الضروري أن نحذو حذو الفصائل الأخري'.