قتيل وعشرات الجرحي هي محصلة الصدامات التي وقعت بعد مباراة في دوري الكرة الأردني الجمعة الماضي. المباراة غير عادية لأنها بين أكبر فريقين في الأردن. الوحدات والفيصلي هما طرفا المنافسة الكروية والجماهيرية الكبري في الملاعب الأردنية, لكن ليس علي طريقة الأهلي والزمالك عندنا. فنادي الوحدات هو النادي المفضل لمشجعي الكرة من الأردنيين من أصل فلسطيني, بينما يلقي النادي الفيصلي تشجيع الجماهير من أصول شرق أردنية. تشجيع الكرة في الأردن له أصوله السياسية, وهو ما لا نعرفه في مصر مهما بلغت حرارة التعصب بين مشجعينا. الأردن هذا البلد الهادئ الوديع يرقد علي توتر كامن بين نصف سكانه ونصفهم الآخر. نشأت إمارة شرق الأردن في أعقاب الحرب العالمية الأولي في مناطق البادية الممتدة شرق نهر الأردن. الإمارة القاحلة محدودة الموارد الطبيعية والبشرية أنشئت لأسباب كثيرة, أهمها مراضاة شريف مكة الحسين بن علي وأبنائه بعد أن حنث الإنجليز بالوعود التي قدموها لهم أثناء الحرب مقابل الثورة علي الأتراك الذين حكمت المنطقة باسمهم حتي ذلك الوقت. انتهت حرب عام1948 بقيام إسرائيل, فقام الأردن بضم الضفة الغربية المتبقية من فلسطين إليه. المؤرخون مختلفون ما إذا كان ضم الضفة الغربية جاء نتيجة لرغبة الهاشميين في توسيع نطاق مملكتهم الصحراوية, أم كان رغبة منهم في إنقاذ ما تبقي من فلسطين من أطماع الحركة الصهيونية. المهم أن الأردن الصغير أصبح أكبر, لكن مواطنيه الجدد كان لهم دائما هوي فلسطيني قوي تعارض أحيانا مع هويتهم الأردنية الجديدة. في حرب1967 ضاعت الضفة الغربية وبقي الفلسطينيين يمثلون نصف سكان الأردن, وبين النوعين من الأردنيين نشأ توتر عميق وصل ذروته في الحرب الأهلية التي دارت عام1970, ومن يومها مازال هذا التوتر العميق خامدا لكنه يظهر في مناسبات منها مباريات الكرة بين الوحدات والفيصلي. تأسس نادي الوحدات في عام1956 بعد سنوات قليلة من النكبة الفلسطينية علي يد وكالة غوث اللاجئين. حكمت الظروف علي الوحدات بأن يصبح النادي المفضل للاجئين الفلسطينيين في الأردن, بينما تركز تأييد الشرق أردنيين في النادي الفيصلي الذي تأسس عام1932, ليصبح بالنسبة للشرق أردنيين الممثل الرياضي للوطنية الأردنية. التعصب الكروي ظاهرة شائعة في كل البلاد, لكن عندما يكون للتعصب بعد قومي أو سياسي يصبح الأمر خطيرا جدا, وهذا هو الحال في الأردن.