تستضيف القاهرة اليوم ولمدة3 أيام مقبلة مؤتمر حوار سوداني, بين وفدين رفيعي المستوي يمثلان شريكي الحكم في السودان, حيث يرأس وفد المؤتمر الوطني الحاكم الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني ونائب رئيس الحزب, فيما يرأس وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان السيد باجان أموم الأمين العام للحركة الشعبية. ويعكس عقد مؤتمر الحوار هذا في القاهرة قلقا مصريا بالغا إزاء تطورات الأوضاع في السودان, وخشيتها أن يتم استنزاف الجهود داخل السودان وهدر مابقي من وقت في الفترة الانتقالية وهي نحو عشرة أشهر, وعدم استغلال الفرصة الأخيرة المتاحة للشعب السوداني في بناء استقراره وسلامه ووحدته. ولم يكن هذا المؤتمر عملا مفاجئا فهو نتاج حوارات ممتدة بين القاهرة والقوي السياسية المختلفة في السودان, وخاصة شريكي الحكم اللذين يقع عليهما العبء الأكبر في اخفاقات تحقيق سلام ووحدة السودان, وكانت القاهرة قد شهدت أخيرا زيارات متعددة من قيادات الطرفين الحاكمين الرئيسيين, وربما تبلورت فكرة الحوار خلال الزيارات المتتابعة لمسئولين رفيعي المستوي ضمت النائب الأول للرئيس السوداني سلفاكير ميارديت وعددا من مسئولي حكومة الجنوب والحركة الشعبية, وأيضا نائب الرئيس البشير علي عثمان محمد طه وعددا من مسئولي حزب المؤتمر الوطني الحاكم, أو هي ربما فكرة قديمة حاولت مصر القيام بها خلال السنوات الخمس الماضية من عمر اتفاقية السلام السودانية بطرق مختلفة, وعبر زيارات مكوكية قام بها الوزيران عمر سليمان وأحمد أبو الغيط لكل من الخرطوم وجوبا, وتوجت بزيارة الرئيس حسني مبارك لجوبا. وربما كان كل طرف من الشريكين خلال عمر شراكتهما يريد عون مصر في الضغط علي الطرف الآخر, ومساعدتها في ذات الوقت لتحقيق أجندته الخاصة, فللحركة الشعبية قضاياها في بناء دولة الجنوب تحسبا للانفصال الذي يراه الكثيرون الآن في السودان وخارجه قادما لامحالة, وللمؤتمر الوطني قضيته مع المحكمة الجنائية وغيرها من ناحية, ومن ناحية أخري لم يكف أي من الطرفين عن تحميل الطرف الآخر المسئولية عن تعطيل اتفاق السلام وجعل الوحدة منفرة, وكل منهما يريد أن ينفض يده عن أي مسئولية محتملة عن تمزيق وحدة السودان. والأسئلة التي يطرحها المراقبون بشأن هذا الاتفاق كثيرة, يسألون:ماالذي تخشاه القاهرة الآن بعد كل ماجري... وأيضا ماالذي تؤمله من مثل هكذا حوار بين طرفين لايتفقان إلا لكي يفتحا أبوابا للخلاف... وهل سيكون مجديا تحقيق أي توافق بين شريكي الحكم في تغيير واقع لاتصله مثل هذه الاتفاقات الفوقية, وكل مايصله هو أصداء خلافات وصراعات لم تساعد في إرسال أي رسائل إيجابية للداخل السوداني للمساعدة في بناء وحدته أوحتي للخارج الإقليمي والدولي لكسب تعاطفه, ويسأل المراقبون أيضا مامغزي مثل هذا التحرك المصري والسودان علي أبواب إنتخابات فاصلة في أبريل تكون حكما في قضاياه. ربما يكون ماعزز التحرك المصري الأخير هو المخاطر الكامنة في حال استمرار خلافات شريكي الحكم في السودان, والتحذيرات من مغبة عدم حدوث توافق سوداني حقيقي يشمل الشريكين ومعهما بقية الأطراف الأخري الفاعلة, والتحذيرات هنا ليست فقط من أطراف دولية أوقوي قد يصفها البعض بأنها معادية, وإنما من جهات وأشخاص يعدون ثقات داخل البيت السوداني, بل ومن داخل كل طرف من الأطراف السودانية, وهو مايعني أنها تحذيرات حقيقية وماثلة, وهذه الخلافات الكبيرة المستمرة الآن تخشي مصر التي لها مصالح حقيقية مباشرة في استقرار السودان الذي يعد عمقا استراتيجيا لها من تزايدها واشتعالها, مع الاستحقاقين المهمين اللذين يشهدهما السودان, عبر الانتخابات المقررة في أبريل المقبل, والاستفتاء المنتظر في مطلع العام المقبل. ربما تخشي مصر أن تضيع هذه الفترة القليلة المتبقية في الخلافات أو حتي التحالفات الانتخابية علي حساب قضايا السودان المصيرية, وهي تري أن القوي السودانية تحتاج اليوم توافقا لمواجهة القضايا المصيرية أكبر من كل هذه الخلافات أوالتحالفات التي لن تجدي أوضاع السودان الحالية نفعا, وربما تلحق به مزيدا من الضرر, ومن هنا تبرز أهمية الدعوة لهذا الحوار الذي في حال نجاحه سيكون بلاشك مخرجا آمنا والأقل تكلفة مما سواه لحل أزمة دارفور التي أصبح من الواضح الآن أنها لن تحل حلا نهائيا إلا من خلال تسوية أشمل في إطار حل كلي للقضايا السودانية, وفي ظل توافق دولي وإقليمي بشأنها, وفي هذا الإطار أيضا يمكن الحديث عن مشكلة المحكمة الجنائية الدولية, وكلا الأمرين يحتاجان إلي توافق القوي السودانية توافقا حقيقيا بشأن معالجتهما, وللنظر أيضا في قضايا السودان المصيرية الأخري, وفي مقدمتها التحول الديمقراطي, والإستفتاء علي حق تقرير المصير في الجنوب الذي بدأ العد التنازلي له, ولم يتم بعد عمل شيء حقيقي مؤثر من أجل تعزيز وحدة السودان الطوعية, وأيضا لمواجهة المشكلات الراهنة في جميع أنحاء السودان....فهل تستطيع مصر بمثل هكذا حوار دفع الشريكين لإنقاذ إتفاق السلام ومواصلة تنفيذ بنوده وإنقاذ وحدة السودان؟.... سؤال سيظل مرهونا بجدية المتحاورين وشجاعتهما في اتخاذ قرارات جريئة تخرج السودان من مأزقه الراهن.