ما أصعب أصوات الضجيج التي من حولنا والتي ليست فقط مصدرها أصوات تلك الانفجارات التي تقوم بها الجماعات الارهابية ولا تلك الأنباء التي تبثها القنوات الفضائية ووسائل الأعلام.. ولكن أيضا تلك الأصوات والأراء من جانب المتشدقين الذين يتوسمون في أنفسهم أنهم لديهم القدرة علي توصيف ما يحدث والذين يؤثرون الجلوس في مقاعد النقد والتنظير.. وليس في ذلك أية غضاضة ولكن أن كل شئ تحكمه الظروف الموضوعية التي تحيط به وكذلك الوقت اذ أن لكل شئ تحت سماء هذا العالم الذي نعيش فيه وقت اذا ما تجاوز ذلك الوقت أو تأخر عنه يصبح لامعني له ويصبح ضرره أكثر من نفعه.. مصر تمر بمنعطف حرج.. وقد مرت عليها3 سنوات عجاف عصفت بنا وكادت تقتلع أوتاد خيمة ذلك الوطن وأن هذه الظروف والأخطار مازالت قائمة بل أنها في حالة تزايد ذلك لأن من أرادوا أن يضعوا أيديهم عليها ويبيعونها أو يتخذون منها مطية لتحقيق أطماعهم وأحلامهم سواء في الداخل أو الخارج قد شعروا بأن الفرصة قد فوتت عليهم.. وأن ذلك الحلم قد تسرب من بين أناملهم وأن الوقت الآن بعد كل ما حدث في مصر وما وصلت اليه الأمور الآن قد أصبح مقصر جدا.. أعتقد أننا نرآه والعالم أيضا يشهد بذلك أن مصر قد استطاعت أن تتجاوز الموقف حتي الآن وستكمل باذن الله ذلك المصير الذي لحق بسوريا وليبيا والعراق.. أنها هي الأفضل وضعا قياسا علي ما يحدث من حولنا الآن.. لذلك فهم سوف يبذلون قصاري جهدهم وسوف يحاولون حتي النفس الأخير ولن يفوتوا أية فرصة بل أنهم سوف يسعون الي خلق هذه الفرصة لكي ما يحققون ما يصبون اليه.. علي الرغم من تلك الأخبارالمزعجة التي تبثها قنوات الأخبار الا أننا كشعب قد علمنا أننا قد تجاوزنا مرحلة الخوف علي الأقل لأننا قد تسلحنا بنية المواجهة أو لأننا قد هضمنا هذه العاصفة وأننا قد سلمنا القيادة لمن نثق فيه رغم أن الريح العاتية والنوء مازالا يهبا في كل الأرجاء ومازالت الأمواج تحاول أن تعصف بالسفينة.. ذلك هو توصيف الوضع الذي يبعث علي التفاؤل بالقطع ولكنه تفاؤل لابد وأن يكون مشوبا بالحذر والوعي.. نحن في حاجة الآن الي أن نسكن نفوسنا جميعا شعبا وقيادة وبحاجة الي التركيز الشديد وأن نواجه الموقف واللحظة والمرحلة التي نحن فيها لكي ما نتقدم خطوة أخري للأمام ذلك ببساطة لأن ما حدث فقد حدث ولانستطيع أن نرجع خطوات للوراء لكي ما نتعاطي معه أو علي الأقل لكي ما نرجعه ونسويه.. ولكن الآن هناك بؤرا أخري من الفوضي قد تكون أكثر خطورة من تلك التي نعيشها وهي فوضي الأراء وتناول الأحداث ومحاولة التأريخ لها أو اتخاذ مواقف منها سواء بالدفاع عنها أو الهجوم عليها وذلك يعني المزيد من التشويش ويعني التقليب والتأليب في أحداث قد جرت وليس الآن وقت تقييمها أو الحكم عليها.. نري الناس قد أنشغلت بما تنشره الصحف من سجلات للتحقيقات التي أجريت مع الرئيس الأسبق وكذلك تعقيبات الكثيرين حول مرافعات الديب وما أنطوت عليه من نوع من الغرور والتعالي وقد ثار عليه البعض ورأوا أنه يريد أن يقلب الحقائق وأنه يريد أن يزيف الواقع وأنه قد كان في بداية هذه المحاكمات يستجدي عطف المحكمة.. وسرعان ما قام البعض بفتح هذه الملفات وهي لم تنته بعد وبدأت تشبه المعارك الشخصية علي صفحات الجرائد.. رأينا البعض يدلون بشهاداتهم أو يترافعون عن أنفسهم بعد صمت دام ما يزيد عن ثلاث سنوات ورأينا الرئيس مبارك يدلوا بكلمة له قال عنها أنها خطبة الوداع أو شهادة للتاريخ ويتحدث فيها عن عقيدته العسكرية وأيضا عن انجازاته وقد يحق له ما يقوله ولكن ما حدث من تضخيم ومحاولة لفتح بؤر للنقاش والخلاف السفسطائي ما بين من يقول بأن مبارك يحاول غسل تاريخه هو وعصابته وهو له كل الحق فيما يذهب اليه ولكن أعتقد أن ذلك ليس هو وقت اذاعة هذه التحقيقات التي من شأنها أن تصيب الناس بالبلبلة والتي سوف تكون محل لاثارة الشكوك.. البعض يري أن ثورة يناير لم تكن ثورة بل كانت مؤامرة وتلك في حد ذاتها الآن سوف تؤدي الي المزيد من الانقسامات والاختلافات.. أن عملية التأريخ هي أصعب مهمة ولها أناسها المتخصصون فيها ولا يجوز لأي انسان أيا كان أن يطلق علي نفسه مؤرخ وأنه لايجوز الحديث أو التأريخ لهذه الموضوعات وتناولها والحكم عليها ولكن مازلنا في وسط معترك الحدث.. ذلك أمر غير موضوعي بالكلية وأثاره الجانبية وسلبياته سوف تكون مؤثرة جدا.. أن ما يحدث من شأنه أن يؤدي الي فتح أبواب للجدل والي أثارت الفتن والانقسامات.. وعندما نقول اتركوا ذلك الأمر للتاريخ فان معني ذلك أنه لابد وأن تكون هناك المساحة الزمنية الكافية لكي ما تكتمل كل الحقائق ولكي ما تكتمل الصورة ووقتها قد نختلف عليها أو نتفق ولكن في هذه الحالة نكون ليس فقط قد تجاوزنا الحدث ولكن أيضا لم نتجاوز الموضوعية.. أن ما حدث في مصر سوف يكون مادة للتأريخ ولكن الصورة لم تكتمل بعد.. لأننا مازلنا في قلب الأحداث وتطوراتها السريعة ومبارك شأنه شأن أي رئيس أو حاكم سوف يحكم عليه التاريخ وسوف نختلف عليه وذلك أمر طبيعي ومقبول.. نيرون ذاته الذي حرق روما ودمرها مازال يذكره التاريخ ويذكر فعلته الشنعاء ولكنه لم يتجاهله ولكن ماذا علينا ونحن في وسط هذه المعركة أو مازلنا في قلب الأحداث علينا أن نركز وننتبه لما يجري حولنا وعلينا أن نفكر فيما سنعمله لكي ما ترسو سفينتنا.. أن ما حدث فقد حدث وأن ثورة يناير قد حدثت بالفعل وأدت الي ذلك التغيير سواء رضي عنه البعض أو لم يرض ولكن ما حدث قد صار أمرا واقعا.. هل رأيتم فلاحا قد وضع يده علي المحرات ليخط الأرض ونظر الي الوراء بالتأكيد اذا فعل ذلك فسوف تشط البقرة وستعوج الخطوط.. لذلك فاننا في حاجة الآن الي أن نتعاطي مع ذلك الواقع بطمأنينة وأيضا عدم تذمر وعلينا أن ننظر الي مجموعة الأهداف التي قد وضعناها نصب أعيننا وأن نحشد الجهود.